معلوم أن النمو المستدام للاقتصاد الوطني، وتحديدا القطاع الخاص، يولد عديدا من الإيجابيات التنموية، ومن أهمها توفير مزيد من فرص الاستثمار والعمل على حد سواء، وأثرهما الإيجابي تحسن مستويات الدخل، وقدرة الادخار من جانب، ومن جانب آخر قدرة الإنفاق الاستهلاكي وزيادة الطلب على السلع والمنتجات والخدمات، التي كلما كانت محلية المنشأ تعاظم حجم الاقتصاد، وهو المسار الأفضل بالطبع مقارنة بمثيلاتها ذات المصدر الخارجي، ومع كل تصاعد مستمر في قوة الطلب محليا، تتوالد الفرص الاستثمارية أكثر فأكثر، سواء على مسار توسع النشاط الإنتاجي للمنشآت الوطنية والأجنبية والمختلطة محليا، أو على مسار إحلال الواردات بمنتجات وخدمات محلية المنشأ، وكلا المسارين سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة فرص الاستثمار المحلية، وزيادة جاذبيتها أمام المدخرات المحلية.
هذه منظومة مثالية قد لا ترى على أرض الواقع، إنما كلما اقتربت منها جاءت النتائج أفضل للاقتصاد وللمجتمع، وهذا هو ميدان السياسات الاقتصادية الذي يعد أول وأكبر مهامها في أي اقتصاد كان، ومن ضمنها أن تعمل تلك السياسات على التصدي لكل ما قد يهدد أو ينقض اكتمال بناء تلك المنظومة أو يؤخر تقدمها، كالتضخم والبطالة ووجود أي تشوهات هيكلية تعيق نمو أي طرف من أطراف تلك المنظومة المنشودة. وفي حالة اقتصادنا الوطني يضاف التستر التجاري، كأحد أكبر التشوهات التي من أكبر مخاطره مساهمته في تشويه تنافسية بيئة الاستثمار المحلية، إضافة إلى مساهمته في تسرب الأموال للخارج عوضا عن إعادة تدويرها محليا، سواء بإعادة ضخها في جانب الطلب المحلي، أو بإعادة ضخها في قنوات الاستثمار المحلية، وهو الجانب الذي أصبح يواجه برامج وسياسات وطنية قوية وصارمة تحت مظلة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، ويتوقع مع انتهاء مهلة تصحيح أوضاعه في 23 آب (أغسطس) المقبل، أن تتضاءل مخاطره - بتوفيق الله - إلى أدنى حدود ممكنة في منظور الأعوام القليلة المقبلة.
يبقى الآن التحديان التقليديان المتمثلان في التضخم والبطالة، وبالتعرف على أكبر وأهم أسباب الأول منهما التضخم، ومن ثم وضع السياسات الكفيلة بالحد منه إلى مستوياته الممكن للاقتصاد التكيف معها، مع الأخذ في الحسبان حجم مخاطره الأكبر بحال تجاوزت مستوياته معدل النمو الحقيقي للاقتصاد (النمو الحقيقي للاقتصاد -4.1 في المائة، نمو القطاع الخاص -3.1 في المائة، التضخم 3.4 في المائة بنهاية 2020)، فإن أهمية السياسات الاقتصادية المضادة له تتصاعد إلى مستويات أعلى مما لو كان أدنى من النمو الاقتصادي، وترتفع إلى أعلى من ذلك كله بحال واجه الاقتصاد تضخما أعلى من نموه، وبوجود معدل بطالة مرتفع (12.6 في المائة بنهاية 2020)، فإنه يصبح عندئذ في المرتبة الأولى في سلم أولويات السياسات الاقتصادية على الإطلاق، ويعد من أهم التحديات الواجب على واضعي السياسات تجاوزها قبل الشروع في أي سياسات وبرامج أخرى.
حل تضخم القطاع غير المنتج من الاقتصاد الوطني، ممثلا في تضخم الأراضي داخل المدن والمحافظات، كأكبر مصادر تغذية للتضخم محليا خلال العقد الماضي وأكثر، وظل حتى مع آثار إصلاح أسعار استهلاك مصادر الطاقة وتغيرات ضريبة القيمة المضافة خلال الفترة الماضية في مرتبة أعلى من حيث التأثير، وتمكن الاقتصاد من التكيف مع كل من إصلاح الأسعار والضريبة، في الوقت ذاته الذي ازداد تضخم أسعار الأراضي أكثر، خاصة منذ مطلع 2019، بالتزامن مع محفزات ارتفاع حجم التمويل العقاري الممنوح للأفراد «بلغ حجمه 251 مليار ريال حتى نهاية شباط (فبراير) الماضي»، في الوقت ذاته الذي لم تتجاوز مراحل تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي طوال خمسة أعوام، مرحلته التنفيذية الأولى، ولم يتجاوز إجمالي المنصرف من متحصلاتها 1.8 مليار ريال، ولم تتجاوز نسبة ما تم تطويره من الأراضي البيضاء الخاضعة للمرحلة الأولى (411.5 مليار متر مربع) سقف 3.3 في المائة منها (13.7 مليون متر مربع).
إن الاقتصاد الوطني المتحفز للنهوض بنشاطاته وقطاعاته، واستهدافه المشروع لاقتناص فرصه الاستثمارية كافة، وتسخير الدولة لضخ ما ستصل قيمة تدفقاته إلى 27.0 تريليون ريال خلال العقد المقبل، ينبغي لأجل تمهيد وتسهيل الطرق كافة لتلك التدفقات العملاقة المستهدفة أن يتم اتخاذ أقوى السياسات والإجراءات الهادفة للحد من تضخم ذلك الجزء غير المنتج من الاقتصاد، والعمل بكفاءة أعلى وأقوى على جعله طاردا لاكتناز الثروات والأموال أو المضاربة بها على تلك الأوعية غير المنتجة، ولذلك أسباب عديدة بالغة الأهمية، من أهمها على سبيل الذكر لا الحصر: (1) إنها بوضعها الراهن الذي يتمتع بتحقيقه أعلى معدلات الربحية، لا يمكن لأي نشاط اقتصادي آخر منافسة تلك الأوعية غير المنتجة الأراضي، ما يرشحها لأن تستأثر بالنصيب الأكبر من التدفقات المالية المرتقبة والمتوقعة، والمتأثر الأكبر هنا هو التدفق المرتقب من كل من القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، الذي يشكل مجموعهما المرتقب ضخه خلال العقد المقبل ما نسبته 33.3 في المائة من إجمالي الإنفاق المخطط له. (2) بحال استمرار ارتفاعها وتضخمها بوتيرة أكبر، فإن ذلك سيشكل تحديا أكبر أمام مشاريع العقد المقبل، لعل من أقل تحدياته أن يسهم في ارتفاع أكبر لتكلفة تأسيس المشاريع الاستراتيجية العملاقة المستهدفة، وتقليص معدلات الربحية، هذا ما لم يؤد إلى زيادة احتمالات تأخرها أو توقفها، لما تشكله الأراضي من وزن كبير في بنود التكاليف، وهو ما يمتد تأثيره العكسي إلى ما نسبته 44.4 في المائة من إجمالي الإنفاق المرتقب، من جانب القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وصندوق الاستثمارات العامة. (3) معلوم أن التضخم المتصاعد لأسعار الأراضي، تنتقل عدواه إلى جميع المنتجات العقارية، وبدورها تمتد إلى التأثير على كل تكاليف الإنتاج والمعيشة، وإلى زيادة مطردة في حجم التمويل اللازم لامتلاك المساكن، وما يحمله ذلك من أعباء إضافية على بنود الدعم الحكومي والأفراد المقترضين، وكلا الأمرين من شأنهما أن يؤثرا في الأجلين المتوسط والطويل على كل من الإنفاقين الحكومي والاستهلاكي الخاص، وهما الجانبان اللذان يشكلان ما نسبته 55.6 في المائة من إجمالي الإنفاق المخطط له.
لهذه الأسباب وغيرها مما لم يتسع المقال لذكره، لا بد من الاتفاق على اتخاذ السياسات والإجراءات اللازمة والكفيلة بإزالة هذا العائق الكبير، لأجل تحقق وإتمام مستهدفات النهضة التنموية العملاقة خلال العقد المقبل، وهو الأمر الممكن إنجازه بكل اقتدار في ظل توافر نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، القادر بتطبيقه كاملا على إعادة تلك الأصول إلى دورها الأساسي، بإدخالها في خطوط الإنتاج والاستخدام والتشييد والبناء، عوضا عن وضعها الراهن الأكثر اجتذابا للاكتناز والمضاربة، وما ينتج عنه من أضرار على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص والمجتمع.
نقلا عن الاقتصادية
اخي عبد الحميد العقار ولاراضي تضخمة تدري ليه لن وزير الاسكان شراطي عقار فهمت
هل حققت رسوم الأراضى البضاء أهدافها ؟ أجبنى من فضلك !
اغلب المسؤلين والكبارية يضاربون فى العقارسواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة ولهم مصلحة فيه فكيف سينخفض ؟ ؟؟؟
مافيه سبب مقنع لارتفاع اسعار الاراضي خصوصا انها لاتجري من تحتها الانهار ولا الاطلاله الخضراء والشارع عرضه 15 متر ومتكدس فيه الفلل الواحد يالله يقطع الشارع من الضيق ( كما ان الاراضي الفضاء كثيرة جدا )