شهدنا حديثا تطورات كثيرة في أنظمة وتنظيمات العمل والتوظيف. وأهم أهداف هذه التنظيمات التوطين أي زيادة عدد السعوديين في القطاع الخاص كما وكيفا. وفي هذا لوحظ أن البعض يركز على مبدأ الوطنية في التوظيف، ويراها هي المنطق أي أنه يفهم أنها هي الأساس المفترض في التصرفات من توظيف وغيره. فما مدى انسجام هذا الفهم مع طبيعة التصرفات البشرية في أمور معاشهم عبر التاريخ؟
تصرفات البشر في أمور المعيشة والمال تقوم على أسس (أو افتراضات) أهمها البحث عن أعلى مصلحة لصاحب التصرف. بمعنى آخر، تصرفاتنا في أمور المال والمعاش أو ما اشتهرت تسميته في عصرنا بتصرفاتنا الاقتصادية تحكمها المصلحة الخاصة قبل غيرها. وهناك نصوص شرعية كثيرة تؤكد ذلك. ودون ذلك الأساس ما كان لقانون العرض والطلب أن يكون له معنى.
فهم هذه الأسس والاقتناع بها لا يتطلب دراسة أكاديمية، ولا خبرات علمية، لأنها تصرفات تتفق مع السلوك البشري العادي، ونمارسها يوميا في حياتنا. بعبارة أخرى: الرغبة في تحقيق أعلى المصالح هي المحرك الأول.
وتطبيقا على العمل والتوظيف، فإن التصرفات الاقتصادية تقوم على أسس أهمها أن الزبون (الوحدة الاقتصادية) يبحث عن أفضل وأنسب الأسعار والأجور. الزبون قد يكون صاحب العمل، وقد يكون الباحث عن عمل. هذه مبادئ تحكم سوق العمل (تماما مثلما تحكم سوق السلع والخدمات الأخرى).
البحث عن أفضل الأسعار للباحثين عن عمل، يعني البحث عن أفضل المستحقات من رواتب وغيرها، مأخوذا بعين الاعتبار عوامل ذات صلة في تقييم المستحقات مثل درجة الاستقرار والأمان الوظيفي، وطول الدوام ونوعية العمل، ومدى إمكان استمرار العمل أو إنهاء/فسخ العقد من عدمه ... إلخ.
ولجانب صاحب العمل، فإن تصرفه يقوم على البحث عن أفضل سعر من جهة التكلفة والأداء وتحقيق منفعة منشأته وما إلى ذلك.
أفضل سعر لا يكون في أكثر الأوقات متاحا فورا، بل يتطلب بعض الوقت للبحث عنه، وكلما كان التفاؤل أكبر بالحصول على هذا السعر الأفضل كان الحافز على البحث والانتظار أقوى. وهذا أحد أسباب ما يسمى العطالة خاصة الطبيعية.
وباختصار فإن البحث عن أفضل الأسعار ليس مجرد نظرية، بل هو تصرف طبيعي، وقانون يحكم سلوك الإنسان العاقل.
ماذا يعني هذا المبدأ عند صياغة سياسات العمل والتوظيف، خاصة سياسات السعودة؟
توضع السياسات مأخوذا بعين الاعتبار أن المصلحة الخاصة هي المحرك أو الباعث الأول الذي على أساسه يتصرف أصحاب الأعمال ويتصرف الباحثون عن وظائف.
إذا وضعت سياسات للتوظيف والسعودة مبنية على افتراض أن الوطنية وحب المساعدة من قبل أصحاب الأعمال أو طالبي الوظائف أولى لديهم بالاعتبار من تحقيق مصالحهم، فاحكم على تلك السياسات بالفشل.
العجب في تجاهل البعض ما قيل سابقا. وهذا لا يعني بالضرورة فشل جهود التوطين سواء لصاحب العمل أو الباحث عن وظيفة. الأمر ليس بهذا التبسيط.
الشركات التي توفر أجورا عالية ومناخا مستقرا، ناجحة في السعودة بصفة عامة. هذه الشركات تتصف بأنها كبرى، وأوضاعها المالية مستقرة وراسخة.
لكن الأغلبية العظمى من منشآت القطاع الخاص ليست كذلك. بل هي منشآت صغيرة إلى متوسطة. وقد قامت ونمت هذه المنشآت عادة خلال العقود الستة الماضية على نمط تشغيل يغلب عليه توظيف غير السعودي. ونبتت بيئات العمل سواء في المنشآت أو في المجتمع على هذا الوضع.
ولذا فإن تغيير هذا النمط الذي تعودنا عليه وتشكل عبر عشرات السنين ليس أمرا سهلا، بل يشكل حقيقة مشكلة عويصة. ولا تحل هذه المشكلة المطالبات بقرارات مبنية على تسرع وارتجال.
التدرج في تطبيق السعودة أنجح، طالما وجد معه تشدد متدرج في شروط من يسمح باستقدامه، أو يسمح بتجديد إقامته. وهذا توجه بدأنا نلمسه أخيرا. ولا يعني ذلك تحقق الكمال.
مطلوب تقوية ما سبق فرضه من اشتراطات علمية ومهنية ومن معايير انتقائية وتصنيف واختبارات على من يسمح باستقدامه أو تجديد إقامته. وطبعا يؤخذ بعين الاعتبار نوعية وطبيعة الوظائف والمهن والأعمال، ورفع مستوى العمل. وهذا بدوره يقلل من الاستقدام أو توظيف الوافدين.
من أمثلة هذه الاختبارات اختبار اللغة العربية. يقترح ربط تجديد عقود بعض العاملين غير السعوديين باجتياز حدود في اختبار اللغة العربية. طبعا مطلوب التدرج في التطبيق. وقد تفرض رسوم إضافية مقابل انخفاض درجة الاختبار ضمن حدود مقررة طبعا. من أمثلة هؤلاء سائقو سيارات الأجرة. والأمثلة كثيرة.
نقلا عن الاقتصادية
وردَ في المقال ذكر: (..بتصرفاتنا الاقتصادية تحكمها المصلحة الخاصة قبل غيرها. وهناك نصوص شرعية كثيرة تؤكد ذلك..)!!.. وكان من الأفضل توثيق وتأصيل هذا القول وصحة الإستدلال والإستنتاج بذكر بعض هذه النصوص من القرآن وصحيح السنة المطهرة .. وبعد ذلك قد يستطيعُ المرء تقبل بعض إستنتاجات المقال والنظر في مناقشتها.. والسلام.