ليس من السهل إعطاء تعريف جامع مانع للعطالة، التي انتشرت تسميتها بالبطالة. لكن مسمى عطالة أنسب، لأن الذي لا يعمل يقال له عاطل.
هناك اختلافات بين الاقتصاديين، وغيرهم ممن يعنيهم الأمر، في تعريف العطالة، أو تحديد معناها، وعرض هذه الخلافات وأسبابها يطيل المقال. لذا سأكتفي بإعطاء تعريف عام بسيط للشخص العاطل. الشخص العاطل يعرف بأنه الذي لا عمل لديه، وقد بحث بجدية عن عمل خلال عدد محدد من الأيام الماضية، أو ينتظر لاستدعائه لعمل بعد الاستغناء عن خدماته، أو ينتظر لإبلاغه عن عمل جديد خلال عدد محدد من الأيام. هذا التعريف يفهم منه وجود مسوغات لوجود خلافات في تحديد معنى البطالة. مثل تحديد الحد الأدنى لعمر الشخص المقصود بالتعريف، ومدى اتساقه مع نظام العمل أو الخدمة المدنية، أو معايير الحكم على جدية البحث عن عمل، أو عدد الأيام الماضية. هذه الأمور أمثلة على مؤثرات في إحصاء عدد العاطلين. وجود الخلافات لا ينبغي أن يفهم عدم وجود حالات متفق على أنها عطالة.
تعد البطالة قضية جوهرية سواء من ناحية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لما لها من جوانب وآثار كبرى في المجتمع اقتصاديا وأمنيا وسلوكيا. ولهذا تعطي الحكومات هذه المسألة قدرا كبيرا من اهتماماتها.
نسبة من العطالة تعد بالمصطلح الاقتصادي طبيعية. ذلك أنه وفي كل وقت يخرج عدد من العاملين من سوق العمل برغبتهم، على سبيل المثال رغبة في عمل آخر بظروف أنسب أو أجر أعلى. والموضوع له تفاصيل كثيرة خارج نطاق المقال.
وتحدث العطالة لأسباب مختلفة، فهناك موجات من الانتعاش والانكماش في الاقتصاد، وهناك تقلبات موسمية، وقصور نوعي وكمي في التعليم، وضعف في الإنتاجية، وتغير دوري في الطلب على السلع، وهناك منازعات بين العمال وأصحاب العمل،... إلخ. وعادة الاقتصاديين وضع المسألة في قالب يمكن من تحليله، واختباره قياسيا.
هناك من يرى أن سبب العطالة الأول اختلال التوازن في سوق العمل. وأقوى عامل على الاختلال فرض السلطات أو هيئات العمل أجورا أعلى مما قد يسمى الأجور المتروكة للسوق. هؤلاء يرون أن أجور السوق لا تبقي أحدا يرغب في العمل من دون عمل.
طبعا هناك اقتصاديون لا يوافقون على التفسير السابق كما هو. بل يرون أن الأجور بطبيعتها تميل إلى الجمود، حتى مع وجود ركود اقتصادي. جمود الأجور يعني أن الأجور لا تتأقلم أو لا تتكيف التكيف الذي يجعل العرض مساويا للطلب في سوق العمل. وهذا الوضع مخالف لأغلبية السلع والخدمات التي تتصف أسعارها بمرونة تبعا لظروف العرض والطلب. على سبيل المثال، في حال الركود تكون توقعات الناس عن الاقتصاد متشائمة ما يدفعهم إلى تفضيل الاحتفاظ بثرواتهم في صور غير منتجة، وهذا يؤثر سلبا في التوظيف. وحلا للمشكلة فإن الكينزيين يرون أنه لا بد من تدخل الحكومات بصور عديدة.
هناك مظهر آخر لجمود الأجور، وهو يكثر وبوضوح في القطاع الحكومي وبعض المنشآت الكبرى في دول مجلس التعاون، كأحد آثار أو نتائج طبيعة الاقتصاد النفطي، وكون النفط مصدر دخل الحكومات الأول. وتبعا لذلك تظهر ما يمكن تسميتها بعطالة الانتظار. عطل الكثيرين بسبب قوة الطلب على العمل "في الحكومة مثلا".
هناك فريق يرى أن العطالة تظهر بسبب مشكلة المعلومات. مثلا، هناك زيادة في الطلب على العمل في مناطق بعينها من الدولة، وعلى مهن محددة تتطلب مهارات أعلى. وهناك وقت يمضي لحصول معلومات كافية أو موائمة في أمور كثيرة بين طالبي العمل والوظائف.
وهناك تفسير للعطالة يقوم على نظرية ازدواجية سوق العمل، التي ساعدت على زيادة ظهورها ظروف. وتلخص هذه الظروف بكون الاقتصاد "الصناعي أو النامي" مكونا من قطاعين، قطاع أول يتميز بارتفاع الأجور فيه، واستقرار العمل، وظروف عمل جيدة بصفة عامة، وفي المقابل هناك قطاع ثان يتصف بانخفاض أجور عماله، وسهولة الاستغناء عن خدماتهم مقارنة بالأول. وتساعد على الازدواجية صعوبة انتقال العامل من القطاع الثاني إلى الأول.
هناك عطل مصدره وجود عزوف مجتمعي عن مهن. ولذا يعد الوضع الاجتماعي "أو بتسمية أخرى الأعراف والتقاليد" سببا من أسباب العطالة، في مجتمعات.
إن سعي الإنسان أن يأكل من عمل يده ويتعفف عن السؤال مطلب شرعي، قال سبحانه "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ".
"جاء رجل إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يسأله شيئا من المال فرأى فيه قوة وجلدا، فقال: ماذا عندك؟ فذكر له أشياء يسيرة في بيته، فأمره أن يحضرها فأحضرها فباعها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأخذ ثمنها وأعطاه إياه، وقال: اذهب واحتطب ولا أراك مدة كذا وكذا، فذهب الرجل وصار يحتطب ويبيع حتى اكتسب دراهم كثيرة، ثم جاء إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ومعه دراهم فأخبره بذلك، فقال: هذا خير لك من المسألة". المصدر موقع الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء. والحديث يدل على وجود فرصة غير مستفاد منها لأمر ما.
خلاف ما سبق، في دول مجلس التعاون الخليجي، هناك نسبة من العطالة مصدرها استيراد قوي لليد العاملة. بدأ الاعتماد على الاستقدام قبل عشرات السنين، وأسهمت عوامل في ازدياده وتقويته مع مرور السنين. تتلخص هذه العوامل في كون شروط الاستقدام وظروف توظيف الوافد وبقائه في العمل وتكلفته على المنشآت مغرية للاستقدام. الوضع السابق يشبه الإغراق في سوق السلع، الناشئ طبعا من الاستيراد. وتطلب ذلك تدخل السلطات، تحت محاولة تطبيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
نقلا عن الاقتصادية