في ندوة منتدى الطاقة ومنظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية التي عقدت بدعوة من وزارة الطاقة بالمملكة قبل أيام أكد سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان على حالة عدم اليقين بالأسواق وعلى ضرورة البقاء على أهبة الاستعداد لأي تطورات قد تحدث تستدعي اتخاذ تدابير لدعم تماسك أسواق النفط، فهو يرى أن المباراة لم تنته مع تداعيات هذا الفايروس ومن المبكر إعلان الانتصار، وفي الحقيقة فإن صانعي السياسة النفطية من المسؤولين لديهم كل الحق بهذه المخاوف فهم الأقرب لأوضاع السوق بكل تفاصيله ولا يمكن أن يعلنوا تجاوز الأسوأ إلا بانتهاء هذه الجائحة وعودة الطلب العالمي إلى ما قبل جائحة كورونا وتحقيق الهدف المنشود بتوازن السوق.
ففي ما يحدث حالياً بأسواق الطاقة تظهر تباينات في الآراء فالمسؤولون بالدول المنتجة خصوصاً (أوبك +) يرون أن النهاية الحقيقية للأزمة بإعلان انتصار البشرية على فايروس كورونا من خلال الإجراءات الاحترازية وإعطاء اللقاحات ووقف التفشي وتراجع الإصابات، فهم لا يمكن أن يجنحوا إلا للحقائق وليس للتوقعات على المدى القصير التي لا يرون فيها أي فائدة وهو ما أكد عليه سمو وزير الطاقة، وفعلياً لا أحد يمكنه توقّع ما سيحدث غداً أو خلال أسابيع مع فايروس يتحوَّر وتوزيع لقاحات ما زال محدوداً عالمياً، فالدول المنتجة للنفط التي تعتمد بنسب كبيرة من إيراداتها عليه لا يمكن أن تضع توقعات في ظل هذه الأزمة المعقدة كما يضعها مضاربو الأسواق لأن الفارق كبير بين النظرتين، فموارد الدول المنتجة للنفط تصب في دعم اقتصاداتها واستدامة التنمية وفي أوضاع الاقتصاد العالمي الحالية، فالهدف الأول بعد استيعاب جلّ التداعيات السلبية للجائحة اقتصادياً هو استعادة النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل.
بالمقابل فإن مضاربي الأسواق من صناديق وبنوك استثمارية ومضاربين أفراداً فهم ينظرون لقياس الربح والخسارة في محافظهم دون النظر للتبعات الأخرى لأي تقلبات حادة على اقتصادات الدول المنتجة للنفط ويستندون على عدد من العوامل بنظرتهم التفاؤلية من أهمها التيسير الكمي الضخم الذي أطلقته البنوك المركزية بالدول الكبرى اقتصادياً وكذلك أسعار الفائدة المنخفضة مما يجعل من المال الرخيص المتوافر بكثرة يتجه لمختلف الأسواق ومن أهمها أسواق السلع وعلى رأسها البترول وكذلك يرون ببدء إعطاء اللقاحات مرحلة بدأت ولن تتوقف وتشير لتوقّع عودة الطلب للارتفاع بأي وقت من هذا العام بزيادة تفوق التوقّعات ويرون أن العوامل السلبية أقل تأثيراً بالوقت الحالي على الاتجاه الصاعد للأسعار وأكبر مثال ما توقّعه بنك جولدمان ساكس الأمريكي عن احتمال وصول سعر البرميل إلى 75 دولار بالربع الثالث.
عوامل عديدة إيجابية أوصلت سعر البرميل إلى 65 دولاراً حالياً متجاوزاً أعلى سعر في العام الماضي وماسحاً كل الخسائر التي حدثت في 2020 وذلك من خلال سياسات عديدة اتخذت لحماية أسواق الطاقة من أهمها مبادرة المملكة التي جمعت من خلالها أوبك مع المنتجين من خارجها ليتوافقوا على أكبر وأهم اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج أعاد الحيوية لأسواق الطاقة وما زالت المملكة تقود الجهود الرامية لتجاوز هذه الأزمة نهائياً والتي توجتها بمبادرة طوعية بخفض الإنتاج لشهري فبراير ومارس بمقدار مليون برميل يومياً تأكيداً على نظرتها الدقيقة لأوضاع السوق ودعماً لتعزيز الثقة والتحفيز لبذل الجهود من جميع الدول المنتجة لاستعادة التوازن للسوق، فقد تتعدى الأسعار 70 دولاراً وممكن أن تقترب من 80 دولاراً في عالم المضاربات لكن ذلك لا يعني انتهاء الأزمة التي ترتكز نهايتها بشكل أساسي على وقف تفشي الفايروس.
نقلا عن الجزيرة