دأب المسؤولون والوزراء المعنيون بشؤون النفط فى الفتره الاخيره على تكرار كلمه "السعر العادل" فى احاديثهم كلما تناولوا سوق النفط بالتحليل والغريب انهم يصرون على ترديد نفس الكلمه رغم تجاوز النفط للمستويات السعريه التى حددوها سلفا فمازلنا نسمع للاسف نفس الكلمه والاسعار فوق الثمانين بعدما سمعناها عند الخمسه وستين والسبعين والخمسه وسبعين،وللاسف انساق وراءهم بعض المحللين حتى من الاجانب ،ولا ادرى هل هم بذلك يهيؤن الشعوب لاى رده فعل معاكسه لما يقولون؟؟ام انهم غير متأكدين اصلا مما يقولوه بدافع انهم يمثلون طرفا فى معركه العرض والطلب القائمه فى اسواق النفط؟؟
ومهما تكن الاجابه رغم ترجيحى للاحتمال الثانى فان هذه "النغمه"النشاز يجب ان تتوقف والتى لم نسمعها عن الذهب رغم ارتفاعه القوى ،وربما يعتبر كون النفط سلعه استراتيجيه هامه وتتدخل فى مجريات تحركها السياسه دائما الا ان كلمه السعر العادل لبرميل النفط لا تعبر لا عن واقع ولا عن تسعير منطقى حقيقى انما هى استهلاك اعلامى محض.
ونحن نعلم تماما ان "السعر العادل" لسهم ما اذا ما تم حتسابه فانه يمثل الحد الفاصل بين بيعه وشرائه ،فهب مثلا ان القيمه العادله لسهم ما هى 20 ريالا وان قيمته السوقيه او سعره فى السوق هو 22 ريالا فهذا يعنى بداهه ان السوق قد غالى فى تقييمه للسهم ولذا يجب التخارج منه والعكس صحيح فاذا كانت قيمته السوقيه اقل من قيمته العادله فهذا يعنى الاحتفاظ به او شرائه نظرا لدنو تقييمه السوقى.
المعادله فى سوق النفط اكثر تعقيدا من ذلك فآليه العرض والطلب تتداخل مع الاحداث السياسيه بالاضافه الى النظره المستقبليه لنمو او انكماش الاقتصادات الكبرى لتفرز اسعار النفط وفى احايين كثيره تستغل بعض الصناديق الاستثماريه هذه الاحداث لرفع الاسعار او خفضها مثلما يحدث يوم الاربعاء عند خروج بيانات وكاله الطاقه الامريكيه والخاصه بمخزونات الخام او المشتقات.
لكن فى كل الاحوال فان آليه العرض والطلب يكون لها دور فى التحرك خصوصا اذا علمنا ان انتاج اوبك 29.1 مليون برميل وان الطلب فى حدود 28.6 مليون برميل هذا ماهو كائن حاليا والفائض -500 الف برميل الممثل لفارق العرض عن الطلب- هو ما يجعل الاسعار تتراقص صعودا ثقه فى تجاوز الطلب مدعومه بالانتعاش المحقق من خطط التحفيز او هبوطا تخوفا من عدم استدامه هذا الانتعاش- اما خلال عام 2008 فان الطلب تجاوز 31 مليون برميل –كما يقول عبدالله البدرى الامين العام لاوبك- فكيف سنتوقع بقاء الاسعار دون حراك فعلى ؟؟رغم قسوه المضاربه على الاسعار حيث يستغل المضاربون الوضع بالطبع وهو ما يحدث دائما فى الاسواق وليس فى حاله النفط فقط.
وتضارب التوقعات على الطلب بين اوبك ووكاله الطاقه الدوليه والبنك الدولى والمحللين ليس جديدا على الاطلاق فالامر شديد التعقيد مع ضبابيه الرؤيه عن الاقتصاد العالمى وصعوبه وضع تصور مقبول خصوصا مع بطء نمو مجموعه اليورو وارتفاع العجوزات بها على عكس الصين والهند التى استجابت سريعا لخطط التحفيز ،الا اننا رأينا مؤخرا كبير محللى النفط فى وكاله الطاقه الدوليه "ادواردو لوبيز" يتوقع ان ينمو الطلب على النفط داخل البلدان المنتجه ذاتها خصوصا السعوديه وايران على اعتبار ان هذه الدول قد وفرت سيوله ضخمه من انتجها النفطى مكنتها من تجاوز ازمه ركود محتمله وبالتالى فانها ستزيد-السيوله- من الحراك الاقتصادى داخل هذه الدول مما سيدفع الطلب بالارتفاع.
ورغم ان كلام لوبيز قد اكد نظرتى الشخصيه لتحرك النفط والتى اوردتها فى تحليلات سابقه اعتمدت فى بنيتها الاساسيه على المنظور الفنى دون الاساسى او الخبرى الا اننى لا اعول كثيرا على مثل هذه التصريحات التى سيعاكسها قريبا كما تعودنا تقرير مضاد من هناك او هناك، لكن يبقى "السعر العادل" لسلعه بأهميه النفط امرا بالغ التعقيد ولن يكون الامر منطقيا اذا ربطناه بمدى سعرى محدد كما تفعل حكومات الدول التى يقوم اقتصادها على النفط بوضع سعر محدد تبنى عليه ارقام ميزانيتها السنويه.
واللافت للنظر خلال فتره ارتفاع الدولار الاخيره والتى امتدث منذ منتصف نوفمبر 2009 الى اواخر فبراير 2010وفقد خلالها اليورو 10% من قيمته امام الدولار فان ذلك لم ينعكس سلبا على البترول حيث بقى متأرجحا بين 84 الى 70 دولار للبرميل دون يعانى كثيرا بسبب ارتفاع قيمه الدولار وهذا يجعلنا نعيد النظر فيما اقره جون ميرفى سابقا عن intermarket حيث العلاقه التفاعليه بين الاسواق الماليه والتى يمثل ارتفاع الدولار فيها انتقال القيمه الى العمله الخضراء مقابل انخفاض اسعار السلع والاسهم ايضا وهو ما لم يحدث مؤخرا وهو ما يجعلنا ايضا نطالب اصحاب فكره السعر العادل باعاده النظر اذا قارنا ذلك بارتفاعات النفط الى147 دولار للبرميل والتى صاحبها انخفاض موازٍ فى قيمه الدولار بحوالى 30% وهذا يعنى ان سعر 147 اذا انتقصنا منه قيمه انخفاض الدولار فانه يصبح 102.9 دولار فقط وبهذه المقارنه البسيطه فان سعر برميل النفط المعلن يعد اقل من السعر الحقيقى لان ارتفاع قيمه الدولار دون هبوط النفط يعنى اضافه فرق الارتفاع المحقق من قبل الدولار الى قيمه برميل النفط نفسه وهذا بالتالى يقفز بسعر البرميل الى التسعين دولارا فهل يعد سعرهم العادل عادلا فعلا؟؟
وعلى الرغم من كثره الحديث عن الطاقات المتجدده والتى اضحت ماده جديده للاحاديث الاعلاميه المفرطه فى التشاؤم عن النفط وتأثيره السىء على البيئه باعتبار استهلاكه المسرف احد اهم اسباب الانبعاثات الضاره بيئيا فان الوقت لايزال ممتدا حتى نرى اسهامات حقيقيه لشركات تعمل فى مجال الطاقات المتجدده وثؤثر سلبا او ايجابا على تسعير النفط والتى نتمنى ان نراها سريعا-كداعاه لبيئه نظيفه او اقل تلوثا- لذا يظل "النفط" محور الصراع ويظل الحديث عن سعره العادل قائما رغم كونه غير عادلٍ على الاطلاق.
والله تعالى اعلى واعلم ودمتم بخير
اعتقد انهم يقصدون انه السعر العادل فى الوقت الحالى