رغم الجهود والخطوات الكبيرة جدا خلال الأعوام القليلة الماضية، التي تم إنجازها باقتدار لافت على طريق محاربة التستر التجاري، ورغم منع النظامين القديم والمزمع إقراره قريبا للوساطة العقارية ممارسة العمالة الوافدة له، إلا أن واقع نشاط الوساطة العقارية ما زال يعاني أشد المعاناة سيطرة العمالة الوافدة عليه، ورغم كثرة الحديث إعلاميا عن هذه الممارسات المخالفة، ومناقشته بوتيرة أعلى عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وبما تضمنته من شكاوى كثير من المواطنين والمواطنات من جراء ما تسببت فيه تلك الممارسات المخالفة للعمالة الوافدة، سواء من المستهلكين أو المستثمرين، فبالنسبة للمستهلكين وهم الشريحة الأكبر، فقد تحملوا غلاء أسعار الشراء أو الإيجار الناتج عن مغالاة تلك العمالة وتحكمها في الأسعار والإيجارات، نتيجة تشكيلهم مجموعات مسيطرة، خدمها في ذلك التقدم الكبير لوسائل وتطبيقات الاتصالات الحديثة، أسهمت بدورها في زيادة تمكن تلك العمالة من عقد الاتفاقات وتحديد الأسعار في المناطق الجغرافية التي تخضع لنشاطاتهم. وكذلك الحال بالنسبة للمستثمرين والعاملين من المواطنين في مجال الوساطة العقارية، الذين تضاءلت قدرتهم وحصصهم السوقية إلى مستويات متدنية جدا، أدت إلى إما خروج شرائح واسعة منهم من النشاط، أو خضوع شرائح منهم لسيطرة تلك العمالة، والقبول على مضض بنسب متدنية من العوائد المتحققة لإتمام مختلف العقود والصفقات وإتمامها.
في الوقت الذي تجد مكتبا عقاريا مملوكا لأحد المواطنين، وقد استوفى جميع المتطلبات النظامية لبدء عمله ونشاطه في هذا المجال، إضافة إلى تحمله تكاليف مالية متعددة الأغراض من إيجار مكتبه وغيرها من التكاليف اللازمة، ستجد مقابله في الجزء الخفي من نشاط الوساطة عمالة وافدة، ليس عليها إلا أن تحمل في جيوبها أجهزة الجوال، التي تنتشر أرقامها في طول السوق وعرضه، ويتولى أولئك الأفراد المخالفون إدارة الجزء الأكبر والأوسع من نشاط الوساطة، ومن خلالهم سيجد البائع أو المؤجر مئات الفرص لبيع أو تأجير أصله العقاري، ومن خلالهم أيضا سيجد المشتري أو المستأجر هدفه الذي يبحث عنه، ومن هنا توافرت الفرصة للوافد كوسيط يتمتع بشبكة واسعة جدا من العلاقات مع أمثاله في السوق، لتحديد السعر أو الإيجار الأعلى مقارنة بغيره، فتزيد جاذبيته لدى البائعين أو المؤجرين الباحثين عن أفضل العوائد، ويخضع أمامه المشترون أو المستأجرون لانعدام توافر الفرص البديلة، وكل هذا بالطبع تتم تعاملاته أمام ما تبقى من مكاتب عقارية عائدة لمواطنين، وما زالت تكابد لأجل البقاء في ظل بيئة تنافسية ضعيفة جدا.
ومن أعجب ما قد تسمع به في دهاليز هذا النشاط التجاري ذي العوائد الجيدة جدا، التي كان من المفترض أن تذهب كلها إلى شرائح المواطنين والمواطنات المستثمرين والعاملين فيه، أن تجد جزءا من العمالة غير السعودية الناشطة في هذا المجال مستقرة خارج الحدود، وأن تجدها عبر تواصلها مع أفراد من جنسية تلك العمالة نفسها داخل الحدود، ما زالت تمارس هذا النشاط، وتتولى تنفيذ صفقات عقارية وتحصل على حصتها من العوائد، وقس على ذلك كثيرا من الممارسات العديدة والغريبة جدا في عالم هذا النشاط، التي لم يعد مقبولا وقوفنا أمامها مكتوفي الأيدي، بل لا بد على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة وفي مقدمتها الهيئة العامة للعقار، أن تتخذ تجاه تلك المخالفات من قبل العمالة الوافدة وكل من يتستر عليها من مواطنين إجراءات حازمة جدا وصارمة، ويتم العمل بكل قوة على اجتثاثها نهائيا من السوق العقارية عموما، ومن نشاط الوساطة العقارية خصوصا.
ورغم ترقب إقرار نظام الوساطة العقارية الجديد الذي يتضمن فيما يتعلق بالمخالفات التي ستقوم الهيئة بناء عليها بإحالة المكاتب العقارية المخالفة إلى النيابة العامة والمحاكم المختصة، وإيقاع الأحكام القضائية عليها. حتى صدور تلك الأحكام، فإنه يحق للهيئة إصدار قرار بتعليق العمل بالترخيص الممنوح لتلك المكاتب وفرض الغرامات المالية المنصوص عليها، وهو ما يعني أن بإمكان الهيئة أن تبادر بالقضاء منذ الآن على تلك الممارسات المخالفة للعمالة الوافدة، وسيكون مناسبا جدا أن تبادر بإعلان رقم موحد لتسلُّم بلاغات المستهلكين والمستثمرين في النشاط عن أي من تلك المخالفات متى تم اكتشافها، ومن ثم تتولى الهيئة القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه تلك المخالفات والمتورطين فيها، والعمل من الآن على حماية الاقتصاد الوطني والسوق العقارية من أي ممارسات مخالفة، تأكد للجميع فداحة آثارها السلبية قياسا على ما تم رصده طوال الفترة الماضية في نشاط الوساطة العقارية، كما سيكون مفيدا جدا أن تقوم الهيئة بعقد لقاءات مفتوحة مع المستثمرين من المواطنين في هذا النشاط، والاستماع إلى ما يواجهون من تحديات ومخالفات مصدرها تلك العمالة الوافدة المخالفة، والعمل من ثم على معالجة جميع تلك التحديات، والتصدي لسيطرة تلك العمالة بكل قوة وحزم.
وكان مشروع النظام الجديد قد حدد سبع حالات للمخالفات، المستهدف محاربتها والمحاسبة عليها، جاءت كالتالي: (1) تقديم معلومات مضللة أو إخفاء معلومات جوهرية بشأن العقار محل الوساطة عند ممارسته نشاط الوساطة العقارية. (2) من يمارس نشاط الوساطة العقاري أو يقدم الخدمات العقارية دون ترخيص. (3) على كل من قدم معلومات غير صحيحة للحصول على ترخيص وفقا لأحكام النظام. (4) كل مسوق عقاري اتفق على عمولة تتجاوز الحد الأعلى. (5) تشغيل الوسيط العقاري لعاملين في نشاط الوساطة أو في الخدمات العقارية غير مؤهلين وفقا بما تحدده اللائحة. (6) كل مسوق عقاري أخفى أموال المتعاملين التي تسلمها نيابة عنهم. (7) كل من ارتكب أي تصرفات تنطوي على احتيال أو غش في البيع في المزاد العقاري.
نقلا عن الاقتصادية