تبنت بلادنا "رؤية" جريئة عالية الطموح وقابلة للتحقق. هذه "الرؤية" تستهدف بناء مجتمع نابض بالحياة ذي اقتصاد وطني مزدهر. ومما تطلعت إليه "الرؤية" تحقيق جودة وتميز في الأداء الحكومي. هذا التميز هدف أساسي في برنامج التحول الوطني ضمن "الرؤية". كما أنه بوصلة وأداة من أدوات تحقيق بيئة اقتصادية متطورة. كما تسهل على القطاع الخاص الأداء، وتسهم في تقليل الخلافات وتزيد من جودة التوقعات.
هناك عوامل كثيرة تعمل على أو تساعد على تحقيق التميز. من هذه العوامل جودة التشريعات والتنظيمات، ويدخل في تحقق هذه الجودة الوضوح والاستقرار، في عيون المستفيدين.
لدينا تشريعات وتنظيمات تحتاج إلى مراجعة وإعادة بناء واستكمال بما يرفع من مستوى جودتها. من هذه الأنظمة ما يخص الأنشطة التجارية وممارستها. ونظام السجل التجاري مثال. وهذه نقطة لا تخفى على المسؤولين. وتبعا هم يطلبون ما يساعد على تنويرهم على تحسين الخدمات. وما المقال إلا مساهمة في التنوير.
من الملاحظات على نظام السجل التجاري أنه خلا من تعريف جامع مانع لعبارة سجل تجاري، وعبارة تاجر. كما خلا النظام ولائحته من بيان شروط القيد في السجل. وقد جاء في المادة الثامنة أن على مكتب السجل التجاري أن يتحقق من وجود الشروط اللازمة للقيد.
هناك مشكلة في مدى وضوح المبادئ والقواعد التي تحكم، إضافة نشاط دون نشاط في السجل التجاري. مطلوب قواعد واضحة بما يقلل من سوء الفهم والخلافات مع موظفي وزارة التجارة. وفي الوقت نفسه يراعي الإسهام في دعم المنشآت الصغيرة.
هناك ربط بين الأنشطة والدليل الوطني للأنشطة الاقتصادية المبني على التصنيف الاقتصادي الدولي ISIC4. لكن الدليل أو التصنيف نفسه عليه ملاحظات كثيرة. منها مشكلة الترجمة، وفهم المقصود من عبارات ومسميات. مثلا أعطي مسمى التجارة الرقم (1) في التصنيف على المستوى الأول، وأعطيت مسميات أخرى وبأرقام أخرى للأنشطة الأخرى. لكن المتأمل يعرف أن بعضها على الأقل وفي فهم الناس هي أنواع من ممارسة التجارة، كالعقارات والفنادق والشركات الزراعية والصناعية. والدليل أنه مطلوب لممارستها سجلات تجارية.
من الملاحظات على التصنيف أنه لا يعطي اعتبارا ذا قيمة لتداخل أنشطة كثيرة، واعتماد بعضها على بعض. وهنا أمثلة. المكتبة التجارية تبيع وتوفر خدمات نشاطات لها محالها مثل الحواسب والجوالات وألعاب وتجهيزات مكاتب مثلا. محل بيع أدوات زينة ممكن يوفر مختلف أنواعها وممكن يوفر خدمات للزينات لكنها تتبع أنشطة أخرى. محل بيع مواد البناء ممكن نظريا أن يبيع كل ما يحتاج إليه البناء. ماذا بشأن خدمات وأدوات تركب/توفر خلال وممكن بعد انتهاء البناء لاحتياج السكان إليها، مثل الستائر ومضخات الماء. والأمثلة كثيرة على تداخل الأنشطة.
وفي هذا يتطلب الأمر مراجعة بغرض التطوير والتحسين. مثلا وضع تعريف للمقصود بالتجارة والتجاري. وبالنظر إلى أن التعريف العصري ذو ارتباط وثيق بالمسميات والمصطلحات الأعجمية، خاصة الإنجليزية لأسباب وعوامل وظروف عصرية لا تخفى، فإن معرفة المقصود من مسميات وتعبيرات في الأنظمة والتعليمات المكتوبة باللغة العربية، مثل: مسميات التجارة والتجاري وما يبنى عليها من معان، لا يكفيها الرجوع فقط إلى كتب ومعاجم اللغة العربية المشهورة كلسان العرب. بل تتطلب أيضا الرجوع إلى المسميات والمعاني الأعجمية، خاصة الإنجليزية المقابلة للمسميات العربية، وهنا مشكلة. هناك أكثر من مسمى بالإنجليزيةtrade, commerce, business. وتبعا، فإنه عند وضع نظام ترد فيه كلمة تجارة وغيرها من المسميات أو المصطلحات، فينبغي توضيح المقصود للمستفيدين والمستخدمين توضيحا جامعا مانعا.
وفي هذا يقترح صياغة مؤشرات تساعد على التقييم وفق معايير محلية ومعايير دولية. من المؤشرات المتطلبات والوقت اللازم لإنجاز إجراءات بدء النشاط التجاري من سجل تجاري وغيره من تراخيص وموافقات. من المؤشرات مدى جودة وضعف ثقافة ريادة الأعمال، والإنفاق على البحث والتطوير.
مضت أعوام عديدة بالعشرات على صدور أنظمة كثيرة. خلال هذه الأعوام شهدنا وشهد العالم تطورات شاملة وعميقة مؤثرة في سير الأعمال، ما يتطلب مراجعة لما صدر من أنظمة ولوائح.
ويقترح طرح ما يخطط لتعديله من أنظمة ولوائح طرحها أمام الآخرين لأخذ مرئياتهم. ومثل هذا فعلته وزارة الموارد البشرية فقد رفعت مشروع تعديل نظام العمل على منصة استطلاع لأخذ مرئيات العموم.
بالنظر لأهمية السجل وطبيعة ما يترتب عليه، فينبغي توضيح آثار القيد بالسجل. وتوضيح المستندات المطلوبة بلغة وعبارات جامعة مانعة تقلل اجتهاد الموظف وسوء فهم الناس وخلافاتهم مع موظفي الوزارة. مطلوب النص على الشروط المطلوب توافرها في طالب السجل التجاري. وهل يطلب له مكان؟ ما شروط ومواصفات المكان؟ ماذا بشأن من ينجز أعمالا بمقابل، وهو في بيته مثلا.
وينبغي توضيح مسألة إعطاء حق لجهات خيرية أو تعاونية مجتمعية تقوم بأنشطة ربحية لكن أرباحها لخدمة مجتمعات أو محتاجين ونحو ذلك هل عليها أن سجل أو ماذا وماذا يترتب على ذلك. كما ينبغي مراعاة التفريق في قدر الرسوم حسب المواقع ونوع النشاط. فمثلا، مؤسسة في الرياض غير مؤسسة في محافظة نائية مثلا. ومثلا، نشاط التوطين فيه ضعيف، غير نشاط التوطين فيه قوي، وهكذا.
نقلا عن الاقتصادية
دائماً اقول ان اكبر مشكلة لدبنا هو ضعف البنية التشريعية و التنظيمية والرقابية وإن لاحظنا بعض التحسن في السنوات الاخيرة