مستوى التنافسية المرتفع مطلب من مطالب تحقيق التنمية الاقتصادية وجودتها. ومن ثم مطلب لرفع معدل دخل الفرد في الدول. وللتنافسية في الاقتصاد سياسات ومؤشرات. وهي أوسع من مجرد تنافسية في الأسعار، بل تتناول أيضا أنماطا ومعايير لمختلف أنشطة الاقتصاد والمجتمع، كالاستثمار والتنافس مع الدول الأخرى في اختبار المزاحمة الخارجية في مجالات لا تنحصر فقط بالأسعار. وتزيد أهمية التنافسية في دول منها الدول المعتمدة على الموارد الطبيعية كالنفط.
رفع التنافسية في أي دولة يتطلب رفع إنتاجية المؤسسات الوطنية في القطاعين الحكومي والخاص وإنتاجية الفرد العامل. وكل هذا يصب في تحسين دخل الفرد. هذا التحسين الدائم في دخل الفرد هو مطلب البشر. لكن يجب التنبه هنا إلى ضرورة فهم أن هذه الزيادة في الدخل تتحقق عبر الإصلاح الرامي إلى رفع الإنتاجية.
ترى جهات مختصة في التنافسية قدرة للدولة على إنتاج أكثر كفاءة. هذه الكفاءة تتناول جوانب التكلفة والجودة والملاءمة مع الاحتياجات المحلية والخارجية. وهذا يعني أن التنافسية تتناول جوانب عديدة، كالتكلفة والسعر والنوع ومستوى التقنية والسمعة.
المختصون وذوو الاهتمام بالموضوع على المستوى العالمي يدعون دول النفط، المسماة بالتعبير الدارج النامية، إلى عدة أمور إصلاحية بما يزيد من قدراتها التنافسية. وهنا أجمل ما أراه أهمها:
• العمل على الاستثمار في قطاعات صناعية وإنتاجية متعددة غير قطاع الطاقة.
• إعطاء الفرصة للقطاع الخاص للقيام بدوره في العملية الإنتاجية الوطنية بعد أن تقوم الحكومة بتوفير الأرضية المناسبة والظروف الخصبة المساعدة على تحقيق هذا الأمر.
• بناء ثقافة إنتاجية، ورفع إنتاجية وتدريب شباب البلد، وقد تكلم المتحدثون وبوضوح عن ضعف الإنتاجية والتدريب.
• تحسين مستوى الاستقرار، فرأس المال يبحث عن ويطلب توافر أمور من أهمها الأمان بأوسع معانيه.
• أهمية البنية التحتية، واستخدام الابتكارات لمصلحة البلاد، والحكومة، والتعاون فيما بين الأفراد.
• تطوير الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.
وقد قال أكثر من خبير عبارة تلخص المطلوب: "إن على الدولة النامية الساعية للتطور الاقتصادي بجدية أن تغير مسارها الذي اتخذته طوال العقود الماضية إلى مسار آخر يؤهلها بجدارة لأن تكون ضمن الدول ذات التنافسية العالمية". هذه العبارة قالها كثيرون من قبل بعبارات ومناسبات مختلفة.
نمو الدخل والإنتاجية مفهومان مترابطان وليسا مفهومين متطابقين. فارتفاع الدخل الوطني يتأثر بإنتاجية العوامل الكلية والنعم والمواهب من بشرية وطبيعية والأوضاع المحيطة. والإنتاجية تتأثر بعوامل.
إن أهمية رفع إنتاجية الموظفين الحكوميين أساسية لأنهم قدوة. ولا يعني ذلك إهمال أوضاع الباقين، حيث إن الطريقة القديمة للمعالجة لم تعد صالحة. فمالية الحكومات النفطية تعتمد على مورد ناضب ومتقلب في أسعاره. كما أن المحسوبية والإهمال منتشران في دول كثيرة، وانتشارهما يزيد نشر الفقر والعطالة. ومعظم موظفي الشركات الصغيرة والمتوسطة في أغلب الدول النامية متدنية جدا دخولهم، وهم أكبر عددا من موظفي القطاعات العامة.
على الحكومات بذل الجهد والاهتمام البالغ نحو زيادة دخول وتحسين معيشة عامة شعوبها ومناطقهم بطريقة عادلة ورشيدة ومتزامنة، وعليها مكافحة الفساد المالي والمحسوبية، ورفع مستوى الأداء والإنتاجية. ولا شك بتدني دخول كثيرين في الدول، لكن من الصعب المطالبة بتحسين ومعالجة هذا الوضع هكذا ببساطة، دون تحقيق نمو اقتصادي في بيئة تنافسية تدعم الزيادة.
ارتفاع الأجور مرتبط بارتفاع التنافسية عبر ارتفاع الإنتاجية خاصة. مثلا ما كان ممكنا أن ترتفع الأجور في الدول الصناعية لو لم ترتفع الإنتاجية. زيادة الدخل تأتي تبعا لزيادة الإنتاجية. وهذا ليس أمرا جديدا، بل يدركه جيدا ليس فقط المختصون في مجالات التنمية والاقتصاد والإنتاجية والسياسات العامة، بل يدركه كل من أعطاه الله وعيا وفهما واهتماما بكيفية تطور الاقتصادات ونموها.
قامت الرؤية على تطوير أوضاعنا وإصلاح ما نعانيه من خلل اقتصادي. وفي هذا، تم تأسيس المركز الوطني للتنافسية العام الماضي. وهو جهاز حكومي يتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة ويرتبط تنظيميا بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. أهم أهدافه دعم وتنوير جهود تطوير البيئة التنافسية في المملكة وتحسينها، والارتقاء بترتيب المملكة في المؤشرات والتقارير العالمية ذات العلاقة، وذلك من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص وتحديدها وتحليلها، واقتراح الحلول والمبادرات والتوصيات ومتابعة تنفيذها، وذلك باتباع أفضل الأساليب والممارسات التي تؤدي إلى تعزيز تنافسية المملكة محليا ودوليا.
وبحمد الله، تقدمت المملكة من المرتبة الـ 26 إلى المرتبة الـ 24 في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، الصادر في الصيف الماضي عن مركز التنافسية العالمي.