الاقتصاد ما بعد الجائحة

10/12/2020 0
محمد العنقري

مما لا شك فيه أن ما واجهه العالم هذا العام غير مسبوق بحجم تداعياته الاقتصادية؛ ولذلك كان تعامل الحكومات أيضاً سريعاً ومتنوعاً بالمبادرات وبمخصصات لاستيعاب التداعيات غير المسبوقة بلغت تكلفتها 11 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يتم ضخ مبالغ إضافية وذلك لتحفيز النمو الاقتصادي من جديد، فالآثار التي نتجت عن الجائحة ضخمة وتجاوزها بالكامل يحتاج إلى وقت إضافي في بعض القطاعات التي لم تعد إلى سابق عهدها، فالفيروس لم ينتهِ ولذلك ما زالت قطاعات عديدة ضعيفة كالسياحة والسفر وما يرتبط بهما من أنشطة، إذ لا يمكن أن تعود لطبيعتها ما لم يتم القضاء على مخاوف تفشي الوباء عبر اللقاحات التي بدأت بعض الدول فعلياً بحملة إعطائها لمواطنيها كبريطانيا وروسيا ويتوقع أن تلحق بهم دول عديدة قريباً.

لكن من غير المعقول أن يبقى النظر لواقع الاقتصاد متوقفاً عند تداعيات الجائحة، فعلى الرغم من الحذر والقلق الذي ما زالت تتخذهما الدول تحسباً لأي طارئ قد يحدث بانتكاسة جديدة بتفشي الفيروس بوتيرة وحجم أسرع واكبر ، إلا انه يمكن القول إن العالم تخطى مراحل خطرة عديدة واقترب من بداية النهاية للفيروس وتعد الشهور الستة القادمة حاسمة بوضع حد له ، والسبب اعتماد اللقاحات الذي بدأت تتسارع وتيرته وقامت العديد من الدول بحجز كميات تغطي جل احتياجها مما يمكنها من تحصين مجتمعاتها، وبما أن اعتماد اللقاحات هو ما نعيشه هذه الأيام وتتوقع الكثير من الدول خصوصا الكبرى أن تنجز إعطاء اللقاحات لمواطنيها في الربع الأول من العام القادم حتى تتمكن من العودة للحياة الطبيعية بوقت قياسي، فإن مراحل التعافي الاقتصادي ستتأكد تباعاً وسيكون الربع الثاني والى نهاية العام القادم جامحاً بمعدلات النمو، فأمريكا بحسب خبرائها الصحيين تتوقع العودة للحياة الطبيعية في ابريل القادم، وكذلك الكثير من الدول الأوروبية واليابان والصين وروسيا وأيضاً دول عديدة في الشرق الأوسط.

فهذا التحول السريع بالانتقال من الحديث عن تفشي الوباء وتداعياته بدأ يتغير حالياً إلى خطط توزيع اللقاحات وكذلك دراسة واعتماد ميزانيات للتحفيز، وبدأ المستثمرون بالبورصات العالمية العودة لضخ أموالهم تدريجياً بالقطاعات التي تضررت من الجائحة، فيما قدر صندوق النقد الدولي نسبة النمو للاقتصاد العالمي عند 5،3 بالمائة للعام القادم 2021، فيما يتركز الحديث حول توجهات الاقتصاد العالمي القادمة فمن الواضح أن قطاعات التكنولوجيا ستبقى هي القائد في جذب الاستثمارات لها، وستتغير معها الكثير من طرق إنجاز الأعمال، بينما ستتوسع أعمال عديدة وتستمر كالتعليم عن بعد بإطار منظم ومختلف وليس بشكله الاستثنائي الحالي، وستنفق الدول أكثر على البنية التحتية الرقمية لأنها أصبحت هي صمام الأمان في وجه أي كوارث كالأوبئة وتداعياتها، بينما ستتسارع وتيرة تغير الكثير من الأعمال التقليدية لمفاهيم جديدة ترتكز على التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وستتعاظم التحديات الاقتصادية لكن في سياق كيفية تحقيق معدلات نمو كبيرة، وكذلك زيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد والتركيز على امتلاك التكنولوجيا وليس شراءها فقط بل توطينها وتطويرها.

أنفق العالم تريليونات من الدولارات وارتفعت معدلات الديون السيادية كثيراً لكن ظهرت أيضاً فرص ستحكم توجهات الدول اقتصادياً، فهذه الجائحة كانت كالمحاسب العظيم أظهرت من هي الدول التي لديها خطط وقدرات لمواجهة مثل هذا التحدي الخطير والكبير بتداعياته، وكذلك كشفت لهم أين سيكون اتجاه الاقتصاد العالمي وأهم القطاعات وأيضاً المناطق الجغرافية فيه.

 

نقلا عن الجزيرة