تجربة الدول الآسيوية «2»

08/12/2020 0
فواز حمد الفواز

في كتاب من هذا النوع قد لا تكون مراجعة الكتاب أفضل طريقة للاستفادة منه، لأنه كتاب استرشادي وبالتالي يتضمن نصائح عملية. الدول التي نجحت في آسيا هي اليابان ثم كوريا وتايوان وأخيرا الصين، والدول التي حاولت إعادة التجربة باتباع الوصفة نفسها لم تحقق نجاحا تاما رغم تحقيق نمو في بعض المراحل، فتجربة ماليزيا أكثر جدية من الفلبين وتايلاند وإندونيسيا، لكن الجميع لم يصل إلى مستوى كوريا وتايوان. نختصر الكتاب في ثماني أفكار ومن ثم مراجعة عامة ومحاولة استخلاص بعض ما قد يفيد تجربة المملكة.

الفكرة الأولى: البداية الحقيقية للدول الفقيرة تكون في تشجيع الزراعة العائلية، وذلك في اختلاف عن الممارسات الإقطاعية، أو الزراعة الجماعية كما مارسها بعض الدول الشيوعية. أثبتت التجربة أن الزراعة العائلية توظف أعدادا أكبر وأكثر إنتاجية في أغلب الأحيان مما يبدو كأنه غير متوقع، لكن الكتاب يوثق عدة دراسات في دول مختلفة. الإنتاجية تزيد مع ارتفاع دور العمالة المالكة مباشرة مع استخدام الأسمدة الحديثة، ببعض المنتجات الزراعية تنمو تحت الأشجار الكبيرة، ما يتطلب عناية من المزارع مباشرة. الزراعة من خلال مزارع كبيرة تصبح اقتصادية حين تكون اليد العاملة شحيحة. في المراحل الأولى لا يستطيع الاقتصاد توفير وظائف في الصناعة والخدمات، لذلك تصبح الزراعة العائلية نقطة بداية منطقية لاستيعاب الأيدي العاملة وطريقا للتعلم وتوفير الأموال للاستهلاك والاستثمار لاحقا. لكن الزراعة العائلية لن تنجح دون إصلاح قطاع الأراضي.

الفكرة الثانية: قبل تشجيع الزراعة العائلية لا بد من تحديد من يملك الأرض ويستخدمها. بعد الاحتلال الأمريكي لليابان كانت هناك مقاومة في التعاون معهم إلى أن وجد الأمريكان ضالتهم من خلال خبير زراعي يعرف تجربة روسيا المريرة فأقنع إدارة الاحتلال بإصلاح القطاع لإعطاء المزارع في الريف فرصة، لذلك سن نظام بألا يملك أي مزارع أكثر من ثلاثة هكتارات وبالتالي تقليص دور الإقطاعيين، ما زاد الإنتاج إلى أكثر من قبل الحرب وأوجد درجة أعلى من المساواة في المجتمع، وأنقذ المدن من هجرة ليست مستعدة لها. كذلك مارست الحكومة الجديدة في تايوان في 1953 بعد تجربة الصين في محاولة لاستعطاف الناس، فازدادت نسبة المزارعين الذين يملكون مزارعهم من 30 في المائة في 1945 إلى 64 في المائة في 1960. إحدى النتائج أن معامل جيني (المقياس المعياري لعدم المساواة، حيث صفر تمثل مساواة كاملة وواحد يمثل عدم مساواة كاملة" تحسن في تايوان على أثر إصلاح قطاع الأراضي من 0.56 في بداية الخمسينيات إلى 0.33 في أواسط الستينيات. هذه الإصلاحات زادت المحصول الزراعي بمقدار 50 في المائة في اليابان و75 في المائة في تايوان وأحدثت قاعدة اقتصادية مستقرة تشكل قاعدة انطلاق لنمو اقتصادي أعلى. لا بد أيضا من دور حكومي لنجاح القطاع في توفير الأسمدة والتخزين وأحيانا التسويق للحماية من الوسطاء. إذ إن أحد متطلبات النجاح الوعي بالصورة الكاملة والتكامل.

 

نقلا عن الاقتصادية