تصدر ميزانية المملكة لعام 2021، لتتزامن مع عصر مليء بالتحديات، وسط استغلال جائحة كورونا أحكام العولمة ناقلة العدوى دون حسيب أو رقيب عبر الحدود وبين الشعوب دون استثناء.
ورغما عن أن الميزانية جاءت لتحافظ على كفاءة الإنفاق ودعم الإصلاحات، إلا أنها أنصفت بالأرقام أهم منجزاتنا، وحددت بالحقائق واقع تحدياتنا ونجاح أهدافنا، وعلى رأسها صحة ورفاهية المواطن.
كما نجحت الميزانية في توضيح نتائج تنويع مصادر دخلنا، حيث رفعت نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية من 16.9 في المائة عام 2000 إلى 35.9 في المائة عام 2019، في المقابل انخفضت نسبة مساهمة الإيرادات النفطية من 83 في المائة إلى 64 في المائة خلال الفترة نفسها.
لذا عكست الميزانية، وما تضمنته من مستويات الإنفاق، سياسة المالية العامة التي انتهجتها وزارة المالية وركزت على الأولويات مع ضمان تحقيق المرونة في التعامل مع المتغيرات المستقبلية، التي تشمل الأزمات الصحية وتراجع أسعار النفط العالمية.
وفي هذا السياق استطاعت الوزارة تأمين أهم الضروريات وإجراء عديد من الإصلاحات. وبحسب البيان التمهيدي للميزانية السعودية 2021، تراجع العجز إلى نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 12 في المائة وفق الأرقام المتوقعة في ميزانية العام الحالي. وبالتالي كبحت الميزانية جماح الدين العام ليعادل 33 في المائة من الناتج المحلي، الذي يعد من أقل المعدلات في مجموعة العشرين، علما بأنه يتوقع انكماش الاقتصاد السعودي بنحو 3.8 في المائة في العام الحالي على أن يستعيد نموه إلى نحو 3.2 في المائة عام 2021.
تأتي هذه الأرقام المطمئنة متزامنة مع صدور تقرير صندوق النقد الدولي، الذي حذر من تفاقم معدل الديون السيادية في عديد من الدول، ليقفز في النصف الأول من هذا العام بما يزيد على عشر نقاط مئوية، في أكبر زيادة فصلية على الإطلاق، لتصل بالنسبة للناتج الإجمالي العالمي إلى 331 في المائة، وهو مستوى قياسي خطير غير مسبوق.
وكان الصندوق قد أشار إلى أن وتيرة تراكم الدين العالمي على الحكومات والشركات والمؤسسات المالية تسارعت منذ آذار (مارس) الماضي، حيث سجل إجمالي إصدار الدين رقما قياسيا في الربع الثاني من العام الجاري بلغ 12.5 تريليون دولار، مقارنة بمتوسط فصلي بلغ 5.5 تريليون في 2019. كما تزامن صدور ميزانية المملكة مع تحديات تراجع تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، لتتوقع خسارة اقتصادات العالم بنحو 2.4 في المائة من ناتجها المحلي على مدار عام 2020.
وأشارت هذه التوقعات إلى أن من المرجح انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 4 في المائة هذا العام، مع تراجع حجم التجارة العالمية بنسبة 20 في المائة، وانخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 40 في المائة.
ورغم هذه التحديات التي يواجهها العالم، تمكنت ميزانية المملكة لعام 2021، بحسب البيان التمهيد، من المضي قدما لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية، فقدرت المصروفات بحدود 990 مليار ريال والإيرادات بنحو 846 مليار ريال، ليبلغ العجز نحو 145 مليار ريال فقط.
لكن وزارة المالية توقعت ارتفاع الإيرادات تدريجيا خلال عام 2022 لتصل إلى 928 مليار ريال وانخفاض المصروفات إلى 941 مليار ريال، وبالتالي تراجع العجز إلى 13 مليار ريال.
وبناء عليه فمن المتوقع نمو إيرادات المملكة بنحو 10 في المائة خلال عام 2021، مع استمرار نموها لتصل عام 2023 إلى نحو 948 مليار ريال بمتوسط نمو سنوي يبلغ 6.4 في المائة. وهذا ما يؤشر إلى حصول تعاف في الاقتصاد السعودي مدفوع بالتحسن في أسعار النفط وزيادة نسبة العوائد غير النفطية.
لذا جاءت ميزانية المملكة لتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات غير المسبوقة التي أصابت دول العالم كافة دون استثناء، فاستجابت الميزانية بخطوات حازمة ومتسارعة للمتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية، لتنجح في تحقيق التوازن في الإنفاق وتعزيز كفاءة الأداء.
ونتيجة لذلك حققت المملكة قفزات متتالية على مقاييس التصنيفات العالمية. ومن أهمها صعود المملكة خلال العام الجاري على مؤشر التنافسية الرقمية إلى المرتبة الأولى بين دول مجموعة العشرين، والمركز الخامس بين أكبر عشر دول رائدة في استخدام الخدمات الحكومية الرقمية، متقدمة بذلك على أمريكا وبريطانيا والهند وألمانيا والبرازيل، وذلك وفقا لدراسة شركة إكسنتشر العالمية المختصة في الخدمات التقنية.
وبفضل هذه المعايير حققت الخدمات الإلكترونية في وزارة التجارة المركز الأول عالميا في مدة إصدار السجل التجاري بوقت قياسي لا يتجاوز 180 ثانية، والمرتبة الأولى بين 190 دولة في إصلاحات بيئة الأعمال، لتتخطى بخدماتها الحواجز والمعوقات البيروقراطية كافة، وتفي بمتطلبات قطاع الأعمال بطريقة احترافية، وتنهي إجراءات المراجعين في جميع مناطق المملكة دون الحاجة إلى أي معاملات ورقية. وبفضل نجاحها في مواجهة التحديات، قفزت المملكة 103 مراتب في مؤشر تقرير سهولة الأعمال 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي، لتصل إلى المرتبة الـ 38 وتحقق في تقرير التنافسية السنوي 2020 التقدم الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، وتحتل المرتبة الـ 24 بين 63 دولة الأكثر تنافسية في العالم.
كما نجحت المملكة في منظومة "جدارة" الإلكترونية المتكاملة في توظيف الكفاءات الوطنية، لتنخفض نسبة البطالة إلى 11.8 في المائة خلال النصف الأول من العام الجاري، مع زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة 25.9 في المائة، لتتجاوز النسبة المستهدفة المطلوبة لهذا العام. وفي هذه المناسبة لا بد من الإشادة بنجاح المصارف السعودية وتعافيها من الآثار التي خلفتها أزمة جائحة كورونا، حيث حققت أعلى حصيلة فصلية للأرباح بين أربعة فصول متتالية، إذ بلغت مجموع أرباحها في الربع الثالث من العام الحالي 11.9 مليار ريال سعودي مقارنة بنحو 1.9 مليار ريال في الربع الذي سبقه.
هذه النجاحات وغيرها جاءت كنتيجة حتمية لتضافر جهود الجهات الحكومية كافة مع وزارة المالية في اعتماد ميزانية الإنجازات في عصر التحديات ومعالجة الأزمات بحرفية وإتقان.
نقلا عن الاقتصادية