البنك المركزي السعودي .. رقابة أقوى على القروض

02/12/2020 3
عبد الحميد العمري

أصدر البنك المركزي السعودي، منتصف الأسبوع الماضي، قرارات بإيقاع عقوبات على 30 مؤسسة مالية خاضعة لإشرافه، وذلك لمخالفتها مبادئ التمويل المسؤول للأفراد، وتضمنت تلك القرارات المهمة توجيه البنك المركزي باتخاذ الإجراءات التصحيحية تجاه المخالفات الواقعة في أعمالها، وأن البنك المركزي يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة تجاه تلك المؤسسات المالية المخالفة - بما في ذلك الإيقاف عن تقديم المنتج محل المخالفة - حال استمرارها في ارتكاب مخالفات مماثلة، وعدم تصحيح ما هو قائم منها.

وحسبما أوضح بيان تلك القرارات أن المخالفات التي تم ارتكابها من قبل تلك المؤسسات التمويلية، تعلقت بنسب تحمل العملاء الأفراد للالتزامات الائتمانية الشهرية من إجمالي دخلهم الشهري عند حصولهم على منتجات التمويل. وأكد البنك المركزي في نهاية بيانه أن هذا الإجراء ينطلق من دوره الإشرافي والرقابي على المؤسسات المالية العاملة في المملكة، وحرصا منه على تطبيق مبدأ العدالة والشفافية، والتأكيد على الالتزام بتعليماته القاضية بوجوب التقيد التام بمبادئ التمويل المسؤول للأفراد، ما يسهم في المحافظة على القطاع المالي، ويضمن العدالة والتنافسية بين الممولين، ويحافظ على فاعلية وكفاءة الإجراءات والآليات المتبعة من قبلهم في هذا الشأن بما يلبي الاحتياجات الفعلية لجميع فئات المجتمع، ويراعي الأعباء المالية التي يمكن لهم تحملها عند تقدمهم للحصول على أي منتج تمويلي لتفادي التعثرات المالية لدى الأفراد.

وبالنظر إلى عدد المؤسسات المالية التي وقعت في تلك المخالفات البالغ 30 مؤسسة مالية، ومقارنته بإجمالي أعداد المؤسسات المالية المرخصة البالغ 54 مؤسسة مالية، سنكتشف أن نسبة المخالفين فاقت 55.6 في المائة، ما يؤكد الأهمية الكبيرة لقيام البنك المركزي بالوفاء بواجباته ومسؤولياته تجاه تلك المخالفات ذات المخاطر العالية على استقرار القطاع المالي وأفراد المجتمع والاقتصاد الوطني بصورة أوسع، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى أبعد من كل ذلك إذا تم الرجوع إلى أحدث البيانات المتعلقة بإجمالي حجم القروض الممنوحة من المصارف ومؤسسات التمويل، إضافة إلى المصارف الحكومية لعموم الأفراد التي وصل إجماليها بنهاية الربع الثالث من العام الجاري إلى أعلى من 880.5 مليار ريال، شكلت نحو 42.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، توزعت على النحو التالي: 380.6 مليار ريال كقروض استهلاكية، 298.6 مليار ريال كقروض عقارية، 21.1 مليار ريال، 158.4 مليار ريال كقروض عقارية قائمة من صندوق التنمية العقارية، 21.9 مليار ريال كقروض متنوعة من بنك التنمية الاجتماعية.

ووفقا لتلك البيانات المشار إليها أعلاه، شكل إجمالي القروض الممنوحة من المصارف ومؤسسات التمويل نحو 700.2 مليار ريال، وقد حققت قفزات نمو عالية خلال العامين الماضيين، وصلت بالنسبة للقروض العقارية إلى 55.1 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، وهو أعلى معدل نمو سنوي لها منذ بدأ العمل بها، وأسهمت بصورة عالية جدا في إنعاش نشاط السوق العقارية المحلية خلال عامي 2019 - 2020، وتجاوزته إلى المساهمة في العودة القوية لارتفاع الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، ما أدى إلى ارتفاع التكلفة على الباحثين عن تملك الأراضي والسكن من أفراد المجتمع، وأدى بدوره إلى ارتفاع الحاجة إلى زيادة حجم التمويل اللازم لتحقيق تلك الأهداف، وهذا من الأسباب التي دفعت المؤسسات المالية بذلك العدد المرتفع الموضح في بيان البنك المركزي السعودي، إلى ارتكاب مخالفات لمبادئ التمويل المسؤول للأفراد، وتحميلهم أعباء سداد شهرية تفوق النسب المحددة للاستقطاع من الدخل المتاح لهم.

وعلى أن أي نسب للاستقطاع تفوق المعدلات المتعارف عليها بين 30 و40 في المائة من الدخل الشهري للفرد، تعد في حقيقتها مرهقة على كاهل الأفراد، وتحمل معها ضغوطا طويلة الأجل على الاقتصاد الوطني قد تمتد إلى أكثر من 20 إلى 25 عاما، فإن نسب استقطاع قد تصل إلى 60 في المائة من الدخل الشهري، أو تتجاوز تلك النسبة، كما يشير بيان البنك المركزي السعودي الأخير تجاه المخالفات المرتكبة من قبل المؤسسات المالية التي تعلقت بنسب تحمل العملاء الأفراد للالتزامات الائتمانية الشهرية من إجمالي دخلهم الشهري عند حصولهم على منتجات التمويل، فهذا بالتأكيد يعني حمله مزيدا من درجات المخاطرة العالية على الأطراف كافة، ويعني أيضا مزيدا من الضغوط على الطلب الاستهلاكي للأفراد، الذي ستنعكس آثاره السلبية لاحقا على النمو الاقتصادي لفترة زمنية طويلة عموما، وعلى القطاع الخاص بشكل أكثر تحديدا، نتيجة لانكماش الطلب على منتجاته وخدماته في السوق المحلية.

لقد قام البنك المركزي السعودي بدوره المسؤول في هذا المقام، وهو الأمر الذي يستحق الإشادة عليه، ويؤمل منه بالنظر إلى الحجم المرتفع جدا للقروض الممنوحة للأفراد والأسر من قبل المصارف ومؤسسات التمويل البالغ 700.2 مليار ريال، وفقا لأحدث بيانات البنك المركزي السعودي، أن يعيد النظر مجددا إلى مبادئ التمويل المسؤول للأفراد، والعمل على خفض نسب الاستقطاع الشهري من دخل الأفراد، والوصول به إلى مستويات لا تتجاوز بحد أقصى 40 في المائة إلى 45 في المائة من الدخل الشهري، لتعزيز الاستقرار المالي لكلٍ من المصارف ومؤسسات التمويل وللأفراد والأسر، ولأجل توطيد الاستقرار الاقتصادي واستدامته، ولأجل حماية القطاع المالي والاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء من أي مخاطر محتملة، قد تنتج عن الزيادة المفرطة في حجم القروض المصرفية والتمويلية باختلاف أنواعها، والتركيز بدرجة أكبر على القروض العقارية التي تمتد فترات سدادها إلى 25 عاما، وكونها المحل الأكبر للتورط في مخالفات تجاوز النسب المحددة للاستقطاع، كان من أولى نتائجها العكسية تحمل الأفراد أعباء مرهقة جدا، ومساهمتها أيضا في عودة التضخم إلى أسعار الأراضي والمساكن، وكل ذلك ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص خصوصا، وهي الاعتبارات التي يجدر أن يضعها البنك المركزي في مقدمة أولوياته ومسؤولياته عموما، ويضعها في الحسبان في هذا الشأن المتعلق بأهمية إعادة النظر إلى مبادئ التمويل المسؤول للأفراد، وتشديد الرقابة على المؤسسات المالية المرخصة بمنح مختلف أنواع التمويل للأفراد.

 

نقلا عن الاقتصادية