توترات بريكست.. وسباق الأمتار الأخيرة

29/11/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

دخل سباق الأمتار الأخيرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لتسوية بريكست المستقبلية، مرحلة حساسة جداً يتهددها خطر فشل التوصل لاتفاق مرضي، مما سيشكل صدمة اقتصادية هائلة للطرفين، إذ سيتم حينئذ اللجوء فوراً إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، ما يعني تلقائياً فرض رسوم جمركية على حركة البضائع والسلع بين لندن وأوروبا، في أسوأ توقيت للاقتصاد العالمي الذي يضربه اندلاع الموجة الثانية للوباء المميت الذي شل الأنشطة الاقتصادية حول العالم.

قطعاً، لا يمكننا معرفة ما الذي كان سيحدث لو سار استفتاء حزيران (يونيو) 2016، في اتجاه معاكس، لكننا نعرف بعض نتائجه، بينما يمكننا تخمين البعض الآخر، والنتيجة المؤكدة هي أن الشعب البريطاني سيفقد حقه السابق والتاريخي في التنقل والعمل بحرية عبر التكتل الأوروبي، إذ سيصبح هذا الأمر شيئاً من الماضي، والعكس صحيح للأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة، وهذا يعني في المجمل

مزيد من القيود على الحريات، وانتصاراً زائفاً لضيقي الأفق، إذ لا ينبغي أن يتمتع مواطني المملكة المتحدة بهوية بريطانية وأوروبية في آن واحد.

يزعم أنصار بريكست أن المملكة المتحدة، ستزدهر بعد تحررها من "اليد الميتة"، متجاهلين أن بلادهم تملك اقتصاداً شديد التحرر، لا سيما في سوق العمل، ثم إن أوجه القصور البريطانية لا شأن لها بسنوات الانتماء للتكتل الأوروبي، ومع ذلك، فإن من حسنات الانفصال أنه سيقضي على أعذار الحكومات البريطانية المتعاقبة بضعف الاستثمارات، وتباطؤ الإنتاجية، ورداءة البنية التحتية، والأدهى أن لندن ستجد نفسها في معظم الصفقات المستقبلية في وضعية المتوسل للقوى الأكبر منها، وهذا سيفرض عليها أن تكون رشيقة ومتواضعة، ورغم أنها قد تنجح في هذا النوع من العلاقات الفوقية، إلا أن سيطرتها على الأوضاع ستكون وهمية.

مع دخول الشعب البريطاني عالماً جديداً، متخلياً عن أوروبا بناءً على وعد بمزيد من السيطرة على مصيره، تثبت الوقائع أن سياسة المجازفة والتهور التي اتبعها رئيس الوزراء البريطاني بوريس

جونسون أطالت أمد المفاوضات المشحونة بالتوتر مع الأوروبيين حتى اللحظات الأخيرة، وقد يجد نفسه في النهاية مجبراً على اتفاق هزيل، أو مواجهة اضطرابات خطيرة في أوج ذروة إغلاقات اقتصادية كئيبة.

يصر رئيس الوزراء البريطاني على أن بلاده ستزدهر حتى لو تم الخروج من دون اتفاق مستقبلي، رغم شبح الرسوم الجمركية التي أزيلت منذ عقود، وإذا حدث اتفاق، فسيكون علي جونسون إقناع النواب المحافظين به، وقد يرفض الكثيرين منهم على الأرجح أية قيود أوروبية على الحريات التجارية كثمن للاتفاق، وستكون المميزات التي يوفرها أي اتفاق أقل بكثير من تلك التي حظيت بها المملكة المتحدة خلال سنوات عضويتها الممتدة في الاتحاد الأوروبي، وسيتحتم على المصدّرين من كلا الجانبين التعامل مع الرسوم الجمركية التي تأتي في خضم أسوأ توقيت ممكن للاقتصاد العالمي.

لكن، الخطر الآن، هو أن الشركات التجارية لا تعرف ما الذي ستفعله عند انقضاء مهلة الفترة الانتقالية في نهاية ديسمبر المقبل، ونظراً لضيق الوقت،

تتضاءل فرص التوصل إلى أكثر من اتفاق هزيل يوفّر الحد الأدنى الذي يتطلبه منع توقف التجارة عبر المانش بشكل كامل اعتبارا من يناير، وبينما ينخرط الطرفان في معركة مثل الصيد، الذي بالكاد يشكّل أهمية بالنسبة للاقتصاد البريطاني، تترك ملفات مهمة على الهامش مثل القطاع المالي، ولهذا، فإن تداعيات بريكست ستؤثر على بريطانيا أكثر من نظيرتها المتقدمة خلال العام المقبل.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يريد شراكة استراتيجية مع المملكة المتحدة، فعليه إبرامها الآن قبل أن تسبقه إليها الولايات المتحدة، وهذا سيعرض للخطر جزءا كبيرا من فائض بروكسل التجاري مع لندن البالغ نحو 94 مليار جنيه استرليني، كما أن هناك اعتباراً مهماً للاتحاد الأوروبي وهو أنه إذا تم إبرام صفقة للتجارة الحرة بين بريطانيا وأمريكا، فربما تحتوي على فقرات تتداخل مع صفقة تجارية مماثلة مع الاتحاد الأوروبي لم يتم إبرامها بعد، فربما يصر الأمريكيون مثلاً على دخول منتجاتهم الزراعية المعدلة وراثيا. 

 

خاص_الفابيتا