الاقتصاد هو صانع تاريخ الإنسان في كفاحه للحصول على لقمة معيشته وملبسه ومشربه منذ نزول أبينا آدم وأمنا حواء إلى الأرض.
في البداية كان الإنسان القديم يُشبع حاجاته القليلة بأن يعملها بنفسه. ثم بعد تعدد حاجات الإنسان لم يعد يستطيع الإنسان أن يكتفي ذاتياً بصنع جميع احتياجاته الضرورية بنفسه. بل اكتشف بالتجربة أنه من الأجدى اقتصادياً أن يتخصص في سلعة معينة ثم يتبادل الفائض منها مع الفائض من إنتاج المتخصصين في السلع الأخرى.
وبعدما تحضّر الإنسان قليلاً وبدأ يشعر بأنه ليس مقيداً بالتعامل مع شخص معين يبيع له ويشتري منه بل بإمكانه توسيع دائرة التعامل بالبيع والشراء مع أُناس متعددة. ومن ثم نشأت الأسواق بصيغها وأنواعها وتخصصاتها المُتعددة. من أهم وأشهر الأسواق التي عرفها الإنسان القديم وتوارثتها الأجيال إلى العصر الحديث، أسواق المزادات. حيث مارسها البابليون في بلاد سومر بين النهرين (العراق القديم) قبل 2500 سنة.
ثم انتقلت المزادات عن طريق الحروب والغزوات من البابليين إلى الفينيقيين والرومان بإقامة المزادات لبيع السبايا والأسرى. كذلك مارس الصينيون القدماء المزادات لكن ليس واضحاً هل نقلوها من البابليين أو أنها نشأت بمعزل عن البابليين.
هكذا واضح أن المزادات سبقت نشأة علم الاقتصاد بآلاف السنين. ورغم أن المزادات بقيت تُقام على مر السنين والعصور. لكنها لم يتم دراستها رسمياً كنظرية مستقلة في علوم الاقتصاد إلا مؤخراً حوالي العام 1961 عندما نشر البروفسور وليام فكري (الحائز على جائزة نوبل لعام 1996) مقالة أكاديمية بوصف أسواق المزادات.
الآن تحتل نظرية المزادات مكانتها النظرية في العلوم الاقتصادية بعد أن فاز اقتصاديان من جامعة ستانفورد الأميركية بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2020. لقاء جهودهما المشتركة في إضافة التحسينات إلى نظرية المزاد. وابتكارهما صيغ جديدة لأسواق المزادات. وقد حاول الفائزان باستخدامهما نظرية اللعبة (أحد النماذج الرياضية التطبيقية في الاقتصاد) بالمساعدة على تفادي ما يُسمى لعنة الفائز (winner’s curse) وهو عندما قد يُفاجأ الفائز بالمزاد أنه دفع ثمناً عالياً للمزاد أكثر مما تستحقه السلعة.
قيمة الجائزة حوالي 1.1 مليون دولار تم منحها بالتساوي بين الفائزين. وعندما سُؤل أحد الفائزين بالجائزة ماذا ستعمل بمبلغ الجائزة؟ أجاب: ربما أحتفظ بالمبلغ ادخاراً لزوجتي وأولادي، واستثمار مبلغ الجائزة في سوق الأسهم.
مزاد الصقور الأول في المملكة وجائزة نوبل: لعله من حُسن الطالع لمزاد نادي الصقور الأول في المملكة الذي يُقام حالياً من 3 أكتوبر إلى 15 نوفمبر في مختلف مناطق المملكة أنه توافق تماماً مع وقت الإعلان في يوم الاثنين 12 أكتوبر 2020 عن منح أهم وأغلى وأشهر جائزة عالمية في الاقتصاد لأسواق المزادات للمرة الأولى في التاريخ.
مقال الأسبوع المُقْبل - إن شاء الله - سيكون بعنوان: تأثير فوز بايدن على أسعار و»مستقبل» البترول.
نقلا عن الرياض