حوكمة سوق العمل

11/11/2020 0
د. عامر بن محمد الحسيني

من المعروف أن سوق العمل في المملكة تعد سوق جاذبة لكل المهارات، رغم أن السوق كانت تعاني بعض الممارسات التي وجدت لمحاولة السيطرة على القوى البشرية المهاجرة، التي لم تعد ملائمة لبيئة الأعمال الحالية، وقد تكون تسببت أحيانا في استغلال بيئة السوق لدعم ممارسات غير شرعية أدت للخسارة على المستوى الوطني من خلال انتشار التستر التجاري مثلا. إحدى أهم القضايا التي واجهها الاقتصاد الوطني في العقود الثلاثة الماضية، والمشكلة التي لا حل لها، حتى أصبحت مثل كرة الثلج التي تكبر مع الزمن.

بيئة سوق العمل في القطاع الخاص بيئة ذات حساسية عالية حيث إنها تواجه عديدا من التحديات على المستوى المحلي، إضافة إلى أن بقاء العلاقة التعاقدية تحت مسمى "نظام الكفالة" لا يحسن من بيئة العمل ولا نظامه وله سلبياته على مستوى العمل وعلى المستويين الاقتصادي والإنساني. بقاء أنظمة العمل على وضعها السابق، جعل أصحاب المصالح والمتلاعبين بالسوق يتمادون في ممارسات أضرت كثيرا بأنظمة العمل والاقتصاد الوطني والعلاقات الإنسانية.

وفي ظل التحديثات التي انتهجتها قيادة المملكة من خلال إطلاق رؤية المملكة 2030 أصبح لزاما أن نرى تحديثا شاملا وجوهريا لعديد من الأنظمة والتشريعات التي يجب أن تواكب المرحلة، وتكون عاملا محفزا للوصول إلى المستهدفات. وسوق العمل أحد أهم وأكبر القطاعات التي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة لفهم بيئة العمل ومعالجة الوضع القائم من خلال حوكمة هذه السوق وتفعيل أدواتها وتفعيل الشفافية والعدالة للمصلحة العامة.

أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية ضمن مبادرات برنامج التحول الوطني، التي تهدف لدعم رؤية الوزارة في بناء سوق عمل جاذبة وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية وتطوير بيئة العمل، حيث تقدم المبادرة ثلاث خدمات رئيسة، هي: خدمة التنقل الوظيفي، وتطوير آليات الخروج والعودة والخروج النهائي، وتشمل خدمات المبادرة جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة تراعي حقوق طرفي العلاقة التعاقدية.

يعتقد البعض أن هذا المشروع ستكون له آثار سلبية في السوق من خلال منح حرية شبه مطلقة للعمالة في التنقل، والخروج والعودة والخروج النهائي، لكن الواقع يفرض أن تكون العلاقة التعاقدية أكثر صرامة وتطبق لمصلحة طرفي العلاقة دون الإخلال بحق طرف على الآخر، وسيترتب على هذه المبادرة تفعيل الأنظمة الرقابية والقانونية لضمان حقوق كل أطراف العلاقة. وأتوقع أن نرى مزيدا من التقييد للصيغة التعاقدية من أجل حماية سوق العمل من التلاعب بها من قبل أطراف خارج نطاق العلاقة التعاقدية. وهنا يمكن النظر في تفعيل جهاز لحماية سوق العمل والفصل بين الحالات التي قد تنشأ.

لا شك أن تطوير وتحسين العلاقة التعاقدية سيكون له أثر جيد في مكافحة التستر التجاري، وتمكين الموظف المواطن من المنافسة على الوظائف المطروحة، وفتح المجال أمام الكفاءات الدولية لمزيد من نقل الخبرات والتطوير. وعلى النقيض سيكون أمام الوزارة عديد من التحديات التي يجب أن تقف لها بشكل سريع واستباقي لمعالجة أي ثغرات يمكن أن تستغل لغير المصالح المستهدفة.

 

نقلا عن الاقتصادية