عمان بين المال و الاقتصاد

10/11/2020 3
فواز حمد الفواز

لفت نظري تسارع اخبار تاسيس منظومة الضرائب في عمان ، اذ قبل عدة اسابيع اعلن عن سن قانون الضريبة المضافة 5% و في الاسبوع الاخير اعلن عن اول ضريبة دخل على الافراد في دول مجلس التعاون على ذوي الدخول المرتفعة. تهدف المنظومة الضريبية لتحقيق توازن و استدامة مالية- اهداف موضوعية سعت لها الحكومة لإنقاذ و اصلاح "الاقتصاد". الخلاف ليس على الحاجة للضرائب او اهمية الاستقرار المالي و لكن حول الاولويات الاقتصادية و دور السياسة المالية لخدمة اهداف النجاح التنموي و الاقتصادي. في مقال سابق ناقشت بعض التحديات الاقتصادية و المالية في عمان ( عمان : الحالة المالية). لذلك الاشكالية في الاهتمام بالمال على حساب التعامل مع القوى و العوامل الاقتصادية.

تعثرت الرؤية العمانية كما ذكرت في العمود السابق لعدة اسباب ولكن اهمها انها وضعت العربة امام الحصان. فهي لم تركز على دور العماني في انتاج زراعي من خلال اصلاح الاراضي و لا على صناعة قابلة للتصدير و انما لنمو الوظائف و تنويع مصادر الدخل دون تركيز على ميزة نسبية كمدخل لارتقاء سلم المعرفة الفنية و من ثم تطويع المال و المعرفة لتوليد مصادر اخرى. تدريجيا ارتفعت تكاليف ادارة الدولة و انخفظت مداخيل النفط والغاز و السياحة و ارتفعت تكاليف التمويل و خدمة الدين. اصبحت عمان سجينة منظومة مالية مرتفعة التكاليف و لا تستطيع تفعيل القوى الاقتصادية.

فلم يعد المال كافي للرفاه و الاستثمار، فهي لا تريد تقليل الرفاه و لذلك التركيز على المال (ادارة المالية العامة) و لا تستطيع اخذ مخاطر بتفكير جديد لان الحالة الذهنية و الاجتماعية تشكلت على مفاهيم مالية وادارية وليدة عصر النفط الحديث. ولكن ايضا المطالبة بالانتاجية و المنافسة و التصدير في سوق موارد بشرية قائم على الوافد في القطاع الخاص غير ممكن على الاقل بالجودة و السرعة و التعلم المطلوب للمنافسة عالميا. تكلفة ادارة الدولة عالية عادة لسببين، الاول ان الاغلبية موظفي القطاع العام و الثاني ان الريال العماني عالي قياسات على الاداء الاقتصادي مما يشجع على الاستهلاك و تحويل المال للخارج. محاولة الاصلاح المالي و الاقتصادي التدريجي على امل ان ترجع اسعار النفط مجازفة كبيره و استمرار للهدر المالي و حتى لو تحقق درجة من النجاح ما هي الا تاجيل مكلف ليوم عصيب. ما هو الحل؟

تبعات ازمة كوفد ١٩ و تراكم الاهمال المريح وصل المنظومة الى مرحلة حرجة لذلك حان الوقت لفتح صفحة جديدة في اصلاح الاقتصاد و اعادة ترتيب البيت الداخلي، التحدي المالي يشغل عمان و غيرها من الدول النفطية عن طبيعة التحدي الاقتصادي ، و بالتالي يشوه النقاش الاقتصادي المستحق ليصبح الهدف الاني الحفاظ على ما لديهم و ليس التطلع للتصدير و المنافسة الداخلية. اول خطوة القناعة بان التعامل مع المال يمر من بوابة الاهداف الاقتصادية لاصلاح عميق يشترك فيه الجميع. الحرية المالية لن تخدم قوى الانتاج لان كتب الاقتصاد او المؤسسات الدولية تقدمها كوصفة عامة اثبتت انفصال عن حيثيات التنمية و الاقتصاد. الخطوة الثانية تقليل تكاليف ادارة الدولة من خلال تخفيض مؤثر للريال العماني وتقليل الوافدين لكي ياخذ الاقتصاد العماني حجمة الطبيعي و يبدا بتسخير قوى الانتاج الذاتية و ارتقاء سلم المعرفة و اعادة اكتشاف التعليم المناسب.

تخفيض سعر صرف الريال مقابل الدولار اسهل انسب طريقة لتخفيض التكاليف العامة الثابته لان الضرائب و القيود الادارية والرقابية مكلفة و غالبا تعمل ضد التحفيز. المال الذي تستطيع الحكومة توفيره بالعملة الصعبة من تخفيض الريال يوظف لحماية لتجسير المنظومة الاجتماعية ماليا للمحتاجين والبقية للاستثمارات الراسمالية. الهيكلة المالية بهدف الاستدامة تمر من بوابة اعادة تحجيم الاقتصاد وليس تضخيمه و اعادتة الى الايدي العمانية. اعادة التحجيم سوف تجعل الجميع يعيد تموضعه في معادلة الانتاج و الاستهلاك و تنمية المهارات و المسؤولية. تقليل التكاليف و تفعيل دور العماني يجعل الاستدامة المالية اكثر عقلانية و يمحو الفروقات المصطنعة بين القطاع الخاص و العام لخدمة الاقتصاد الوطني لانتاج ما يمكن تصديره. في حال ارتفاع أسعار النفط يستحسن تفادي اعادة المنظومة الحالية و توظيف المال في الاستثمار و تسخيره للتنمية و ليس للتضخيم دون عضلات او الرفاه.

 

خاص_الفابيتا