في عالم اليوم، تسعى جميع الدول إلى التفوق الاقتصادي، سواء كانت دولا متطورة اقتصاديا تسعى للحفاظ على مكانتها، أو دولا ناشئة طموحة تسعى إلى الارتقاء اقتصاديا ومعيشيا. وفي جميع الحالات فإن الدول عادة ما تدرس حالات النجاحات الاقتصادية في دول أخرى لمعرفة ودراسة كيفية ووصفة النجاح. هذه القصص كثيرة، وقد لا تكون بأي حال قابلة للتطبيق في دول أخرى لأسباب كثيرة ومعروفة. إلا أن أبرز قصص النجاح هذه تتمثل في تشيلي وأستراليا وكوريا الجنوبية.
وقصة تشيلي من القصص المشهورة في النجاحات الاقتصادية، حيث خرجت الدولة الصغيرة من حكم عسكري ديكتاتوري في بداية التسعينيات الميلادية، بلغت حينها نسبة من هم تحت خط الفقر 45 في المائة، ولم تزد حينها الطبقة المتوسطة عن 24 في المائة من الشعب. وبعد أن تحولت البلد اقتصاديا، أصبح الفقراء أقل من 9 في المائة وزادت الطبقة المتوسطة لتصل إلى 65 في المائة. وخلال ربع قرن، كان النمو السنوي في تشيلي من أعلى المعدلات في العالم. وكانت خطة الدولة للتحول الاقتصادي تعتمد على تحرير الاقتصاد والتجارة، وخفض الرسوم الجمركية، ولم تترك تشيلي اعتمادها على الموارد الطبيعية، بل على العكس فقد استفادت من ارتفاع أسعار النحاس. وتمكنت تشيلي في عام 2010 من الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رغم كونها في أقصى العالم، ورغم أن الكثير من دول أميركا الجنوبية شهدت هبوطا اقتصاديا في العقدين الأخيرين. ومنذ بداية التسعينيات الميلادية وحتى زمن كورونا، لم تشهد تشيلي حالات ركود إلا في ثلاث سنوات فقط!
وليست أستراليا ببعيدة عن تشيلي، وهي التي تقاربها في حالة الانعزال الجغرافي عن العالم، وقد كانت أستراليا في الثمانينيات الميلادية على حافة الانهيار الاقتصادي، وصرح وزير ماليتها في عام 1986 أن الدولة في طريقها لتكون إحدى دول العالم الثالث. لتتخذ الدولة حينها قرارات حاسمة بتعويم الدولار الأسترالي الذي أدى إلى انخفاضه ومن ثم زيادة تنافسية الصادرات الأسترالية. إضافة إلى حزمة من القرارات الاقتصادية مثل خفض الرسوم الجمركية وإعادة تنظيم المؤسسات الحكومية وزيادة شفافيتها. وبعد هذه الإصلاحات التحولية، ومنذ عام 1991 لم تشهد أستراليا حالة ركود واحدة (وكورونا من ذلك استثناء) لتصبح أستراليا اليوم أحد أكبر الاقتصادات العالمية وبأقل نسب بطالة في العالم رغم كم المهاجرين الوافدين إليها.
أما كوريا الجنوبية، وهي مضرب المثل في التحول الاقتصادي، فقد حولت مجراها التاريخي من بلد زراعي مليء بالفلاحين إلى بلد صناعي متطور يعتمد اعتمادا تاما على الصادرات التقنية. وقد سبقت اليابان كوريا في هذه التجربة بتحولها إلى بلد يعتمد على الصناعات التقنية، وتلتهما من بعد ذلك الصين ولكن بنموذج اقتصادي مختلف.
ويلاحظ من قصص النجاحات الاقتصادية للدول اختلاف النماذج الاقتصادية المتبعة، فلم يسبق أحد تشيلي إلى نظامها الاقتصادي، ولم تستطع أي دولة حتى الآن تقليد النموذج الصيني، أو الكوري الجنوبي أو حتى السنغافوري. والسبب في ذلك واضح، أن النموذج الاقتصادي مرتبط ارتباطا تاما بخصائص الدولة، فلا يمكن لدولة أن تقلد الصين في اكتساح الصناعة العالمية دون امتلاك الطاقة الاستيعابية المتمثلة في حجم الدولة وعدد السكان. ولا يمكن لدولة تقليد النموذج الأسترالي دون كونها وجهة للمهاجرين من أنحاء العالم. كما لا تستطيع دولة أن تكون مزارا سياحيا صيفيا إن لم تملك الشواطئ أو الأجواء المناسبة. وخلاصة القول: إن النجاح الاقتصادي ليس له وصفة واحدة، وإن التحول الاقتصادي يعتمد اعتمادا كبيرا على إمكانيات الدولة، هذه الإمكانيات تسهل لها التميز الاقتصادي، سواء كانت هذه الإمكانيات موارد طبيعية أو موقعا جغرافيا مميزا أو غيرهما. ولا شك أن جميع هذه الدول عملت عملا خارقا لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ولكن هذا العمل استند على نقاط القوة فيها.
نقلا عن الشرق الأوسط