ربما لم يسمع كثيرون عن البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء في المملكة. تنفيذ البرنامج مسند إلى المؤسسة العامة للحبوب. وطور البرنامج مؤشرا للهدر في الطعام. وطعام، هي اللفظة العربية الأفصح لما تعنيه كلمة food الأعجمية. يقول - سبحانه - "وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ" ﴿الشعراء: 79﴾. وغيرها آيات وأحاديث كثيرة. وصدر أول إصدار للمؤشر في أواسط 1440 الموافق مطلع 2019.
علام المؤشر؟ لدينا دلائل كثيرة واضحة على وجود طعام مفقود ومهدر عبر الأعوام، وتبنت المؤسسة العامة للحبوب دراسة مسحية ميدانية بمنهجية علمية تستهدف: أولا، تقدير حجم ونسبة الفقد والهدر في الطعام. وثانيا، قياس الخسائر المادية من جراء الهدر. وثالثا، تحليل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسببة في الفقد والهدر. ورابعا، مقارنة الهدر في بلادنا بالهدر في دول أخرى. وخامسا، اقتراح سياسات وخطط للحد من الهدر. وسادسا، وهو ما يمكن اعتباره خلاصة الدراسة، وضع مؤشر بالهدر.
الفقد ما يضيع أو يرمى من الطعام خلال عمليات انتقال الطعام من المزرعة إلى بائع التجزئة. أما الهدر، فهو ما يضيع أو يرمى في المرحلة الأخيرة، أي: في المطاعم والمنازل ونحو ذلك.
لن أستعرض المنهجية العلمية المستخدمة في الدراسة بل نتائجها.
أولى النتائج أن نسبة الفقد نحو 15 في المائة، ونسبة الهدر نحو 20 في المائة، أما حجم مساهمة الفرد في الفقد والهدر فيبلغ نحو 200 كيلو جرام في العام، وتعد نسبا عالية على المستوى العالمي. وبلغت قيمة الطعام المفقود أن المهدر نحو 13 مليار ريال في العام، وتتفاوت الأطعمة في نسبة وحجم الفقد والهدر.
شهرة وانتشار ومعرفة الناس بالدراسة والمؤشر وتفاعلهم معها، أدعي أنها ضعيفة، على سبيل المثال، عدد المتابعين في "تويتر" أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي قليل جدا.
السؤال الجوهري: كيف نغير تغييرا قويا في عاداتنا وأنماط تعاملنا مع الطعام، بما يقلل الفقد والهدر تقليلا كبيرا؟
أساليب وسياسات التغيير حققت خفضا في الهدر، لكنه دون التقليل المطلوب بكثير. مطلوب أساليب وسياسات تغيير أكثر قوة وفعالية. وتسبقها طبعا معرفة الأسباب.
من أكبر أسباب الهدر: الغرف أكثر من الحاجة. النتيجة أن نرى بقاء فضل طعام في الصحن أو الإناء. فضل طعام ينتهي في حالات كثيرة إلى الزبالة. هذا وضع سيئ يدل على قلة احترام للنعم. ينبغي الغرف من القدر أو الإناء أقل مما تتوقع أنك تحتاج. فتكرار الغرف أهون من غرف فوق الحاجة.
إبان دراستي في إحدى مدن أمريكا وضعت لوحة في مكان تناول الوجبات في نادي الطلاب السعوديين في تلك المدينة محتواها يرجى غرف طعام قدر الحاجة. قد لا يستسيغ البعض هذا، لكن ما نراه من هدر مبرر شرعي قوي للطلب من الناس أن يتغيروا ويعتادوا على أنماط سلوك وعادات تخالف ما تعودوا.
إننا مأمورون بشكر الرب - سبحانه - وتقدير نعمه. ومن الشكر منع هدر النعم، والتبذير والإسراف. وفي هذا لا ننسى أن نشيد بأعمال أو مشاريع استقبال فائض الولائم لدى جمعيات أو جماعات خيرية، بغرض توزيعه على الفقراء والمحتاجين والمساكين.
الهدر ليس مشكلة محلية فقط، بل مشكلة عالمية. يقول رئيس البنك: "ملايين الناس حول العالم يذهبون كل ليلة إلى مضاجعهم جوعى، ومع ذلك فإن ملايين الأطنان من الغذاء ينتهي بها المطاف في صناديق القمامة أو تفسد في الطريق إلى الأسواق".
الهدر ليس فقط في الطعام المنتج، بل في الموارد المستخدمة لإنتاج هذا الطعام، بما في ذلك المياه والأراضي والطاقة والأيدي العاملة ورأس المال.. فضلا عن توليد عوادم لا داعي لها من الغازات المساهمة في الاحتباس الحراري، ما يدفع إلى ارتفاع درجات الأجواء ويفاقم من تغير المناخ.
كثير من أساليب التعامل والعيش السارية تغري بملء الصحون، دون إعطاء اهتمام له قيمة بما يحتاجون إليه فعلا من الطعام. والأغلب أن المستهلكين يخفقون في التخطيط الصائب لمشترياتهم. بدليل أنهم كثيرا ما يلقون بكميات لا يستهان بها من الطعام لدى انتهاء تواريخ "يفضل الاستهلاك قبل تاريخ كذا". من الممكن استغلال التعليم ومبادرات السياسات منطلقات ممكنة لتغيير عادات الاستهلاك المسرفة.
وفي الوقت ذاته من المتعين نشر ثقافة مفادها أن محدودية الموارد الطبيعية المتاحة تقتضي خفض خسائر الطعام كحل أعلى فعالية من إنتاج مزيد من الأطعمة تلبية للاحتياجات المتنامية لسكان العالم المتزايدين عددا. شكر النعم الشكر الحقيقي ليس فقط باللسان، بل أيضا بالقلب والسلوك. يقول الشيخ صالح الفوزان: من شكر النعمة احترام الطعام وتوقير الطعام وعدم الإسراف في الأطعمة ونبذها إذا أكل منها الشيء اليسير ينبذ الباقي في القمامات، الموائد الكبيرة يؤكل منها الشيء اليسير والباقي يلقى في القمامات هذا من كفر النعمة، نسأل الله العافية، من كفر النعمة الذي يخشى علينا من عقوبتها.
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا ولْيُمِطْ ما عَليهَا من الأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا" اللقمة الواحدة، فكيف بالأطعمة الكثيرة والموائد العظيمة التي تفرط وتنثر في القمامات؟ ثم ليأكلها، ورأى - صلى الله عليه وسلم - تمرة في الطريق فأخذها بيده الشريفة، وقال: "لَوْلاَ أَنِّى أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الزكاة لأَكَلْتُهَا"، لكن رفعها من الطريق. ومنعه من أكلها أن تكون من الزكاة، لأن الله حرم على محمد وآله الزكاة، هذا من تقدير النعمة وتوطين النعمة وعدم إهدارها.
نقلا عن الاقتصادية
د. صالح ربما يشمل البرنامج العلف أو طعام الحيوانات ، ولذا فقد سمي هدر الغذاء ليشمل الغذاء بعمومه للبشر والدوابّ. يبدو أن البرنامج يعمل على سلاسل إمداد متعددة ماشا الله. لم أجد موقع انترنت للبرنامج والموجود فقط خبر عن البرنامج على موقع المؤسسة العامة للحبوب إضافة إلى حساب تويتر للبرنامج. ولذا فما أقوله حسن ظنٍ، والله أعلم.