الرهان الاقتصادي القادم للقارة السمراء

18/10/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لعقود طويلة مضت، كانت الأولويات الاقتصادية للقارة الأفريقية يحددها أشخاص ليسوا ذوي صلة بالاقتصاد كعلم وسلوك وممارسة، لكن الآن وفي ظل التحديات الراهنة ينبغي أن يتغير هذا الوضع، إذ من المفترض أن يلعب العلماء بشكل عام، والاقتصاديون المخضرمون بشكل خاص دورًا محورياً في تعزيز النمو المستدام في القارة السمراء، فضلاً عن إيجاد حلول طويلة الأمد لمكافحة الجوع والفقر والبطالة، شريطة التزام الحكومات بضخ المزيد من الاستثمارات في الأبحاث العلمية المحلية، والتكنولوجيا والتعليم، ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن مستويات الاستثمار لا تزال بعيدة عن المستهدف بسبب ندرة الموارد الاقتصادية، والخلل في ترتيب الأولويات المتنافسة.

يتوقع الآن على نطاق واسع أن يتقلص الاستثمار الأفريقي في الأبحاث العلمية بفعل الكساد الاقتصادي المرتبط بالجائحة، لكن هذا النوع من الاستثمار يبقى ذا أهمية بالغة لمستقبل أبناء القارة، إذ يرتبط بمجموعة واسعة من الأهداف التنموية الأخرى، ويمكن تشريح التحدي الذي يواجه الأفارقة في كيفية الاستخدام الرشيد لمواردهم المحدودة أو المنهوبة، وتوفير الدعم اللازم للباحثين والعلماء لتحقيق النجاح المطلوب، بعدما ضربت التداعيات الكارثية لفيروس كورونا ميزانيات الأبحاث العلمية الأفريقية الشحيحة بالأساس، لكن في المقابل توجد فرصة مواتية لترتيب الأولويات المتنافسة، وإطلاق العنان للأبحاث العلمية، ودعم المشاريع الاقتصادية المستدامة التي تستند إلى حقيقة الأوضاع في البيئة المحلية، خاصة وأن تلك الأبحاث تعاني ضعفاً حاداً في التمويل بسبب توجيه الميزانيات لمواجهة القضايا الملحة مثل مكافحة الجوع والفقر، فضلًا عن إدمان غالبية الدول الأفريقية على المساعدات الخارجية، الأمر الذي يفاقم من صعوبات تطوير حلول وطنية ومستدامة للمشكلات المختلفة، وهذا يتطلب رؤية بعيدة المدى قد تستغرق سنوات وسنوات.

صحيح أن تفشي الوباء عقَّد من المعضلات الاقتصادية للقارة السمراء، فقد زاد ملايين الأشخاص المهددون بالوقوع في براثن الفقر والجوع والبطالة، ومع ذلك تلفت الجائحة الأنظار إلى ضرورة وجود علماء ومخترعين واقتصاديين أفارقة قادرين على المساعدة في مكافحة الوباء، وإيجاد حلول للتعافي الصحي والاقتصادي، وهنا تبدو الحاجة ماسة إلى سن قوانين تفرض تخصيص نسبة من الناتج المحلي الإجمالي للأبحاث العلمية، كما يمكن تشجيع أصحاب العمل الخيري على الاستثمار في الأبحاث العلمية عبر إعطاء تخفيضات ضريبية للقطاع الخاص، وهذا الأمر سيقلل من الاعتماد على التمويل الخارجي للأبحاث العلمية والتنموية.

المؤسف، أن القارة الأفريقية (54 دولة) التي تضم بين جنباتها حوالي 1.2 مليار نسمة، لا تملك سوى 198 باحثًا فقط لكل مليون نسمة، مقارنةً بـ 4500 باحثًا لكل مليون شخص في بريطانيا والولايات المتحدة، وهذا أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 1150 باحثًا لكل مليون نسمة، وربما يأتي إغلاق هذه الفجوة عبر الجيل القادم، وعندئذ سيتم إطلاق العنان للأفارقة للمنافسة في قضايا حيوية مثل التجارة والاقتصاد والتكنولوجيا، ويتطلب ذلك مرحلياً وجود زيادات تدريجية في استثمارات قطاع التعليم العالي، وتوفير فرص التطوير الاحترافي للباحثين في المراحل المبكرة والمتوسطة من حياتهم المهنية، بالإضافة إلى ضرورة الاستثمار في البنية التحتية المادية كالمختبرات والمعامل لإجراء التجارب وانجاز الاختراعات، وبدون ذلك سيبرز البديل المر والكلاسيكي عبر التاريخ الحديث وهو هجرة ذوي الكفاءات العلمية، بل إن العلماء الشغوفين بالتطوير والمهتمين بإعطاء قيمة مضافة للاقتصاد الوطني سيغادرون إلى دول أخرى تقدر مواهبهم.

 

خاص_الفابيتا