هناك إقبال ملحوظ على تداول أسهم صناديق المؤشرات المتداولة (ETF)، ويتضح ذلك بشكل كبير في صندوق فالكوم المتداول، حيث حصل تغير كبير في الإقبال عليه ابتداء من الربع الأول لعام 2015، وبدأنا نرى تداولات يومية تتجاوز أحيانا نصف مليون سهم، بينما كان الصندوق شبه ميت منذ عام 2010، فما الذي حدث؟
أولا صناديق المؤشرات المتداولة تتيح للمتداول شراء محفظة كاملة من الأسهم في سهم واحد، أي أنها شبيهة بالاستثمار في صناديق الاستثمار التقليدية التي تدار من قبل جهات مرخصة مثل المصارف وغيرها من الوسطاء، إلا أن شراءها وبيعها يتم من خلال سوق الأسهم مباشرة. لذا فإن صناديق المؤشرات المتداولة تعد طريقة مناسبة ومريحة لمن يرغب في تنويع استثماراته في الأسهم دون عناء البحث والتحليل وانتقاء الشركات المناسبة، كون الصندوق نفسه مكونا من عدة أسهم تم اختيارها حسب طبيعة المؤشر الذي يحاكيه الصندوق.
حاليا يوجد صندوقان للأسهم السعودية، وصندوق آخر متخصص في اسم الشركات البتروكيماوية، ونجد أن صندوق فالكوم 30 هو الأفضل بفارق كبير من حيث السيولة اليومية، التي تتجاوز 500 ألف سهم في بعض الأيام.
تتمتع صناديق المؤشرات المتداولة بشعبية عالية جدا حول العالم، حيث يوجد على سبيل المثال، كما في منتصف عام 2020، في الولايات المتحدة أكثر من ألفي صندوق متداول، أكبرها الصندوق المتداول لمؤشر إس آند بي 500، الذي يتم تداول نحو 100 مليون سهم منه يوميا، ما يعادل 34 مليار دولار يوميا، وتقارب قيمة الوحدات المكونة له 300 مليار دولار.
في رأيي، إن هذا النوع من الصناديق المتداولة له مستقبل كبير في المملكة، وقد كنت أول من انتقد إطلاق أول صندوق في عام 2010 بسبب عدة ملاحظات ذكرتها في حينها، أهمها تركيبة الصندوق التي جعلت جميع مهام الصندوق في يد إدارة الصندوق، حيث إن مدير الصندوق وإداري الصندوق وصانع السوق وأمين الحفظ والقائم على المؤشر الذي يحاكيه الصندوق جميعهم تابعون للصندوق ذاته.
لحسن الحظ تم تدارك هذا الخلل بعد نحو عامين حيث تم تعيين إتش إس بي سي السعودية كأمين حفظ ومن ثم تعيين الفرنسي كابيتال كصانع سوق ثان. هذا التغيير لا شك كانت له أهمية بالغة في بعث الثقة في نفوس المتعاملين ورفع مستوى الشفافية والمنافسة في عمل الصندوق. وعلى الرغم من ذلك لا يزال هناك مجال كبير لتحسين عمل الصناديق المتداولة، ورفع شعبيتها أمام المتداولين، أوجزها فيما يلي:
لا بد من زيادة عدد صناع السوق كون ذلك يساعد على تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، وفي الوقت نفسه قد ترى هيئة السوق المالية تعديل التنظيم الذي يسمح لهذه الصناديق بترك الفارق يصل إلى 2 في المائة، وربما يحدد ذلك بـ1 في المائة بحد أقصى. الفارق الحالي بين سعري العرض والطلب يعني أن صناع السوق غير ملزمين بإدخال أوامر بيع وشراء إلا عندما يتجاوز الفارق 2 في المائة، فمثلا لا يتدخل صانع السوق لو كان الطلب عند 30 ريالا والعرض عند 30،50 ريالا لأن الفارق 1،6 في المائة (أقل من 2 في المائة)، بينما بالنسبة إلى المتداولين هذا الفارق يعد كبيرا ولا يشجع على تداول هذه الصناديق.
النقطة الأخرى الواجب تداركها من أجل رفع شعبية هذه الصناديق، إلى جانب تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، هي القيام بما يلزم لتقليص نسبة انحراف سعر الصندوق عن المؤشر الذي يتبعه الصندوق، حيث حاليا، بحسب تنظيم الهيئة، يسمح بانحراف يصل إلى 1 في المائة. هذا الانحراف عبارة عن الانحراف المعياري للفروقات بين سعري الصندوق والمؤشر، أي أنه متوسط نسبة الانحراف، ما يعني أنه من الممكن أن يكون الانحراف في أي وقت من الأوقات أكبر من 1 في المائة بكثير. الخلل في ذلك أن المتداولين قد يشترون ويبيعون أسهم الصندوق على الرغم من ابتعادها بشكل كبير عن قيمة المؤشر، لذا فإن الحل يأتي في جزأين: أولا قد ترى هيئة السوق وضع حد أعلى لنسبة الانحراف، بدلا من كونه مجرد متوسط الفارق، والأمر الآخر والأهم هو السماح بالبيع على المكشوف للصناديق المتداولة! لماذا؟
عندما ينحرف سعر الصندوق المتداول عن قيمة المؤشر الذي يتبعه، تتولد فرصة ذهبية يهتم بها كبار المضاربين من أجل تحقيق عائد خال من المخاطرة، كونهم يستفيدون من الخلل الظاهر، وعندما يقومون باستغلال هذا الخلل يتقلص الانحراف الذي تسبب في ظهور الفرصة. وهذا يعرف بالمراجحة (أو الآربيتراج) غير أن ذلك لا يمكن القيام به في سوق الأسهم السعودية إلا من قبل صانع السوق الرسمي الذي يعمل مع الصندوق. وحاليا كما ذكرنا يوجد فقط صانعا سوق، فالكوم نفسها والفرنسي كابيتال. هذا يعني أن صناع السوق لهم أفضلية دون سواهم في عمليات المراجحة بسبب قدرتهم على البيع على المكشوف، بينما بالإمكان تسليح جميع المتعاملين بخاصية البيع على المكشوف لتكون هناك عدالة ومساواة بين الجميع.
إذن لتتم السيطرة على انحرافات أسعار صناديق المؤشرات، لا بد من زيادة عدد صناع السوق بشكل كبير، ربما لا يقل العدد عن عشر جهات، والسماح بالبيع على المكشوف للمتداولين لصناديق المؤشرات كافة، وهذا لا يتطلب السماح بالبيع على المكشوف لجميع الأسهم، بل يترك ذلك إلى وقت لاحق.
نقلا عن الاقتصادية