تجربة الصناديق المغلقة المتداولة في السوق السعودية

10/09/2023 4
د. فهد الحويماني

يوجد لدينا في السوق المالية السعودية صندوقان فقط من النوع المغلق، كلاهما مقدم من شركة الخبير المالية، بينما يوجد أكثر من 1100 صندوق استثماري تقليدي، وثمانية صناديق مؤشرات متداولة، و19 صندوقا عقاريا متداولا. جاذبية الصناديق المتداولة، أيا كان شكلها، هو أنه يمكن تداولها تماما كالأسهم والحصول على السيولة الفورية ذاتها التي تميز الأسهم عن غيرها من الأصول، بينما الصناديق الاستثمارية التقليدية لا توجد آلية لتداولها عدا الاشتراك والاسترداد من خلال إدارة الصندوق في أوقات معينة تحددها إدارة الصندوق، لتقييم تجربة الصندوق المتداول المغلق المقدم من شركة الخبير المالية نبدأ أولا بإلقاء نظرة على الصناديق الاستثمارية التقليدية وصناديق المؤشرات المتداولة لنكتشف أهمية الصناديق المتداولة المغلقة وسبب إدراجها لدينا، أي نسأل أليست كافية الصناديق التقليدية وصناديق المؤشرات؟

من حيث عدم إمكانية تداول الصناديق الاستثمارية التقليدية فالحل أتى عن طريق صناديق المؤشرات المتداولة، حيث أصبح بالإمكان الجمع بين ميزة تنويع الاستثمار وإمكانية التداول أثناء النهار في وسيلة واحدة، ولذا اشتهر هذا النوع من الصناديق بشكل مهول في دول كثيرة، وكما ذكرت يوجد منها 19 صندوقا في السوق المالية السعودية. رغم شعبيتها إلا أن لها جانبا سلبيا وهي أنها صناديق خاملة ليست نشطة، بمعنى أن مكونات الصندوق معروفة بشكل كامل وشفاف وأسعار مكونات الصندوق معروفة ومتاحة طوال فترة التداول، وليس لإدارة الصندوق من دور عدا أن تلتزم بتتبع أداء المؤشر المستهدف من قبل الصندوق، وهذا يعني أن الصندوق لا يهدف إلى تحقيق أداء أفضل من أداء المؤشر المستهدف، وليس لدى الصندوق الحرية في إضافة أو إبعاد أي أسهم خارج مكونات المؤشر.

هنا تتميز الصناديق الاستثمارية التقليدية في كونها نشطة وتعتمد في أدائها على مهارة مدير الصندوق وخبرته، ولذا تكون رسومها أعلى من رسوم صناديق المؤشرات المتداولة. بعض المستثمرين يناسبه تحقيق أداء مطابق لأداء أحد المؤشرات من خلال أحد صناديق المؤشرات المتداولة، على سبيل المثال يقبل المستثمر بتحقيق الأداء ذاته الذي يحققه المؤشر العام للأسهم السعودية فيقوم بالاستثمار في صندوق "يقين 30" أو صندوق "الأول إم تي 30"، أو من يرغب في تحقيق أداء شركات التقنية الأمريكية فقد يختار صندوق البلاد التقني ويحقق أداء عينة محددة من الأسهم التقنية كما في مؤشر أسهم التقنية المستهدف من قبل الصندوق.

لكن العيب في صناديق المؤشرات المتداولة أنها تستغني تماما عن مهارات مدير الصندوق وتختزل دوره في موازنة مكونات الصندوق حيث تكون مطابقة لمكونات المؤشر، التي تتغير ربما مرة أو مرتين خلال العام الواحد، وبالتالي لو كان المستثمر يرغب في الاستفادة من قدرات مدير الصندوق في اختيار الأسهم وتوقيت إدراجها في الصندوق أو إخراجها منه، أو قدرة المدير على استغلال الفرص الجديدة كشركات مدرجة حديثا أو تلك التي تعمل في مجال حيوي جديد ومهم أو تعالج مشكلة قائمة، فبهذه الحالة صناديق المؤشرات تكون محدودة الفائدة، إلا إن كانت من النوع المتداول النشط، وهذا النوع من الصناديق المتداولة قليل جدا، ولا يوجد أي منها في السوق السعودية.

لماذا عدد الصناديق المتداولة النشطة قليل؟

لم تكن هناك صناديق متداولة نشطة في أمريكا قبل 2020، عدا حالات فردية محدودة، والسبب أن هناك إشكالية في طرح هذا النوع من الصناديق بسبب اشتراط الجهات التنظيمية أن تعمل هذه الصناديق بشفافية تامة كما تعمل صناديق المؤشرات المتداولة، لكن ذلك أمر صعب جدا لأن مكونات الصناديق النشطة ليست معروفة ومحددة كما في صناديق المؤشرات، بل إنها تتغير بحسب استراتيجية المدير علاوة على عدم رغبة الصندوق في الإفصاح عن مكوناته لما في ذلك من أخطار متعلقة باستباقية تنفيذ الأوامر من قبل أطراف أخرى وفقدان الميزة التنافسية وإفشاء أسرار المهنة، إن صح التعبير.

هذه الإشكالية غير موجودة في صناديق المؤشرات، لأن مكونات المؤشرات معروفة طوال الوقت، ولا توجد أي سرية في ذلك، لكن في حال إنشاء صندوق متداول نشط فلا يمكن التحقق من صحة تقييم صافي أصول الصندوق كما ينبغي، فكيف يمكن للمتداولين الأخذ بالقيمة التي يزعم مدير الصندوق أنها القيمة الحقيقية لأصول الصندوق؟

صناديق المؤشرات تعد صناديق مفتوحة لأنه بالإمكان استبدال وحدات الصندوق بالأسهم الفعلية في أي وقت من الأوقات، فلا يوجد مجال لمخالفة صافي قيمة أصول الصندوق عن المكونات الفعلية له، وإضافة إلى ذلك فإن السعر الفوري للمؤشر يكشف عن أي تباين بين سعر الصندوق وسعر المؤشر الذي من المفترض أن يطابقه في الأداء. يوجد حاليا أكثر من 1000 صندوق متداول نشط في أمريكا، والسبب في ارتفاع عددها أنه حصل هناك تعديل في شروط الجهات التنظيمية في أنها أوجدت آلية معينة ـ لن نشرح تفاصيلها هنا ـ يمكن من خلالها التحقق من صحة قيمة صافي الأصول دون إجبار مدير الصندوق على الإفصاح عن محتويات الصندوق على الملأ.

نعود الآن للصندوق المتداول المغلق الذي تم طرحه العام الماضي في السوق السعودية، ونجد أن أهم ميزة له هو أنه صندوق نشط، وبذلك يختلف عن صناديق المؤشرات وهذه ميزة مهمة لبعض المستثمرين، وهو صندوق متداول وبذلك فهو يختلف عن الصناديق التقليدية التي هي نشطة لكنها غير متداولة. وفي المقابل يختلف عن الصناديق الأخرى في أنه مغلق، بمعنى أنه لا يمكن للمتداول التقدم للصندوق بطلب استرداد أو تحويل وحدات الصندوق إلى أسهم أو تسلم قيمتها نقدا، بينما في الصناديق الأخرى التي تطرقنا إليها يمكن القيام بذلك. ولذا برزت مشكلة التحقق من صافي قيمة الأصول أو التصرف حيالها مع هذا الصندوق المتداول المغلق. الذي حدث مع صندوق الخبير للنمو أن هناك تباينا كبيرا بين صافي قيمة الأصول كما يعلن ذلك مدير الصندوق يوميا وبين سعر الصندوق في السوق، حيث وصل الفارق إلى أكثر من 40 في المائة في وقت من الأوقات، بينما من المفترض ألا يزيد الفارق على -ربما- 5 في المائة أو أقل، ولا سيما أن الصندوق يستثمر في أوراق مالية عالية السيولة. بعد مضي أكثر من عام على هذا التباين قررت إدارة الصندوق أن الحل الوحيد لتقليص الفارق بين سعر الأصول وسعر السوق هو أن يقوم الصندوق بشراء نصف وحداته من السوق إلى أن يختفي هذا الفارق الفج.

خلاصة التجربة: إن فكرة الصندوق المتداول المغلق تنجح متى كان هناك وعي كبير لدى المتداولين واستيعاب لدور صافي قيمة الأصول في تحديد سعر السوق، حتى إن تحقق ذلك فستبقى إشكالية عدم وجود آلية يمكن من خلالها جعل سعر السوق يطابق صافي قيمة الأصول، كما يحدث في صناديق المؤشرات المتداولة، وأحد الحلول اتباع الطريقة التي تم تطبيقها في أمريكا وأستراليا حيث يمكن من خلال طرف ثالث تحقيق التقارب بين السعرين دون الحاجة إلى كشف مكونات الصندوق. ومع ذلك لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان الصندوق يستثمر في أوراق مالية عالية السيولة، أي لا يمكن القيام بذلك لو أن الصندوق يستثمر في أصول غير مدرجة أو ضعيفة السيولة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية