إذا كان اقتراض الأفراد من المصارف ومؤسسات التمويل المرخصة، يحمل معه درجة من المخاطرة على كل من الممول والمقترض، تتصاعد تلك المخاطرة كلما كان دخل المقترض متدنيا، وكلما كانت الأعباء الاستهلاكية والمعيشية على كاهله مرتفعة، أؤكد إذا كان كل ذلك قائما بتلك الصورة فإن لجوء عديد من الأفراد لم تتوافر لديهم الأهلية الائتمانية، للحصول على تلك القروض من المؤسسات المرخصة إلى قنوات تمويل خارج تلك المنظومة، وهي بلا شك جهات تمويل لا تحمل الترخيص اللازم للقيام بالتمويل والإقراض، وقد تكون إما أفرادا أو جماعات أو مؤسسات، فنحن أمام مصفوفة كاملة من المخاطرة العليا على الجميع دون استثناء، شكلت ما أطلق عليه الاقتصادي Paul McCulley "نظام الظل المصرفي" كأول من ابتكر هذه العبارة عام 2007، وقد أطلقه في المنتدى المالي السنوي الذي استضافه بنك الاحتياطي الفيدرالي في Kansas City في Jackson Hole في ولاية Wyoming، ثم قام لاحقا مجلس الاستقرار المالي - منظمة مؤلفة من السلطات المالية والرقابية من اقتصادات ومؤسسات مالية دولية كبرى -، بوضع تعريف أوسع لنظام أو مصارف الظل، مبينا أنه: يشمل جميع الكيانات التي تقع خارج نطاق النظام المصرفي الخاضع للتنظيم، وتؤدي الوظيفة الرئيسة التي تقوم بها المصارف، المتمثلة في الوساطة الائتمانية، أي: أخذ أموال من المدخرين وإقراضها لمقترضين.
تأتي الأهمية القصوى للحديث عن هذا المصدر عالي الخطورة على أي اقتصاد ومجتمع، قد يتفشى فيه مثل هذا النظام الخفي، ويعمل بعيدا عن يد الرقابة والمتابعة على نهش عافية الاقتصادات والمجتمعات على حد سواء، كتأكيد على المنجز الكبير الذي تم إنجازه منتصف الأسبوع الجاري، ممثلا في بدء المشروع المشترك بين كل من وزارة العدل ومؤسسة النقد العربي السعودي، بالربط التقني بين محاكم التنفيذ من جانب، ومن جانب آخر مؤسسة النقد، تنفيذا للأمر الملكي الكريم القاضي بوضع ضوابط تضمن الحد من ممارسة نشاط التمويل من غير المرخص لهم، وفق نظام مراقبة شركات التمويل.
حيث سيكفل هذا الربط التقني تحقق الدقة في رصد المخالفين، وتسريع محاكمتهم، وإيقاع العقوبات المقررة عليهم نظاما، بما يضمن حماية الاقتصاد، والمنع من استغلال احتياجات العموم بتمويلهم بطرق غير نظامية، كما سيسهم في الحد من استغلال تعثر المدينين من خلال تمويلهم بطرق غير نظامية، لا تراعي وضع المدين الائتماني ومدى قدرته على الوفاء، إضافة إلى تحميله أعباء مرتفعة من جراء تمويل لا يخضع لرقابة وإشراف الجهة المختصة بمراقبة شركات التمويل، ما سيؤدي لاحقا إلى عدم قدرة المدين على تنفيذ التزاماته والوفاء بها.
على أن هذه الخطوة قد تكون قد تأخرت بضعة أعوام مضت، إلا أن حضورها بهذا الزخم والقوة من جهتين حكوميتين بوزن وزارة العدل ومؤسسة النقد العربي السعودي، وبالاعتماد على أحدث التقنيات الحديثة، كفيل - بمشيئة الله - أن يسرع العمل المتكامل المنشود، ويضيق الخناق بوتيرة متسارعة على اتساع رقعة هذا النمط عالي المخاطرة من التمويل غير المرخص "قروض الظل المصرفي"، الذي دفع ثمن استشرائه عديد من الاقتصادات المتقدمة، وكان أحد أكبر أسباب اشتعال الأزمة المالية العالمية 2008.
وليتأكد القارئ الكريم مما تحمله هذه النقلة النوعية من أهمية قصوى، سترفع بنفاذها وبدء العمل بها درجات الحماية اللازمة لمقدرات الاقتصاد الوطني والنظام التمويلي والمجتمع على حد سواء، يكفي الإشارة إلى حجم القروض الممنوحة من المصارف ومؤسسات التمويل المرخصة للأفراد، التي وصل حجمها مع منتصف العام الجاري، إلى 624.7 مليار ريال كقروض استهلاكية وعقارية وبطاقات ائتمان، شكلت نحو 22.5 في المائة الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 31.2 في المائة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ما يشير إلى أن أي زيادة في حجم تلك القروض على الأفراد من خارج النظام التمويلي المرخص، وبعيدا عن الرقابة عليها، من شأنه أن يرفع معدلات المخاطرة على دعائم الاستقرار الاقتصادي والمالي، وهي المهمة الأولى والأكبر لما تم إنجازه هنا في الربط بين محاكم التنفيذ ومؤسسة النقد العربي السعودي، ليوفر بوجوده وعمله الحماية اللازمة للاقتصاد الوطني من مثل تلك الممارسات التمويلية غير المرخصة، والقضاء عليها إلى أقصى مستوى ممكن في منظور الأعوام القليلة المقبلة.
كما أن هذا الربط التقني المهم، سيوفر أيضا مزيدا من الحماية اللازمة لكثير من الأفراد، ومنعهم من التورط في شراك تلك الجهات التمويلية غير المرخصة، والقبول رغما عنهم بشروط إقراض جائرة على المستويات كافة، ودون أن تأخذ تلك الجهات المخالفة في اعتبارها مستوى دخل المقترضين وقدرتهم على السداد من عدمه، ولا الظروف المعيشية المعقدة التي ألجأتهم إلى الاقتراض منها، في الوقت ذاته الذي لا ولم تتوافر لديهم الملاءة المالية الكافية للحصول على تلك القروض.
نقلا عن الاقتصادية