الاقتصاد السعودي يعبر الأزمات مواصلا الإصلاحات

12/10/2020 0
عبد الحميد العمري

حينما بدأت المملكة بإصلاحاتها الجذرية والشاملة مع منتصف 2016، كانت الإيرادات النفطية تشكل الوزن الأكبر في إجمالي الإيرادات الحكومية (متوسط 88 في المائة خلال 2006 - 2015)، وكذلك في الناتج المحلي الإجمالي (متوسط 36 في المائة خلال 2006 - 2015)، ولهذا كان من أول مستهدفات الإصلاحات الاقتصادية ضمن الرؤية الاستراتيجية 2030، هو أن يتم العمل على خفض هذا الاعتماد المفرط على إيرادات النفط، والعمل وفق عشرات البرامج التنفيذية على الدفع بالاقتصاد نحو مزيد من الإنتاجية والتنافسية، متجاوزة مجرد هذا الهدف الاستراتيجي فحسب "تقليل الاعتماد على النفط"، إلى عديد من الأهداف الاستراتيجية التي تضع في مجملها الاقتصاد الوطني على أرض أكثر صلابة في وجه أي تقلبات اقتصادية عالمية أو إقليمية أو محلية.

وقد كان هذا الأمر هو ما تحقق على طريقه الطويل مراحل متقدمة من المنجزات، رغم عديد من المعوقات والصدمات التي أصابت الاقتصاد العالمي طوال الأعوام الأخيرة، كان أبرزها تصاعد وتيرة الحروب التجارية بين الاقتصادين الأكبر في العالم (الولايات المتحدة والصين)، تسببت في إرباك الاقتصادات حول العالم، وفي إحداث كثير من التقلبات في مختلف أسواق المال والعملات والتجارة العالمية، ثم جاءت الصدمة الأكبر بتلقي الاقتصاد العالمي ما لم يكن في الحسبان، باشتعال الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، وتسببها في إلحاق خسائر فادحة بالاقتصادات والأسواق حول العالم، نتج عنها انحدار معدلات النمو إلى ما دون الصفر بنسب تراجع قياسية لم يشهدها الاقتصاد العالمي طوال ثمانية عقود مضت، وارتفاع معدلات العجز المالي والبطالة ومستويات الديون الحكومية إلى مستويات غير مسبوقة، هذا عدا التذبذبات الحادة التي شهدتها مختلف أسواق المال والدين والعملات، بصورة فاقت تقلباتها جميع ما شهدته تلك الأسواق حول العالم خلال الأزمات الاقتصادية والمالية السابقة منذ الكساد الكبير.

وللقارئ الكريم أن يتخيل ماذا لو حدثت تلك التقلبات العالمية غير المسبوقة، في ظل استمرار تلك الهيكلة الاقتصادية المعتمدة بصورة عالية جدا على الدخل من النفط، ودون وجود الاحتياطات المالية الراهنة، ودون وجود برامج إصلاح جذرية للاقتصاد؟ ورغم عدم اكتمال تلك البرامج التنفيذية إلى غاياتها النهائية، إلا أن ما تم إنجازه حتى تاريخه أسهم بدرجات متفاوتة في تخفيف حدة الصدمة الناتجة عن الجائحة العالمية للفيروس، وأسهم قبلها في الحد من آثار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

توطد كثير من مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي والتجاري، كان من أبرزها ما هو مرتبط بالسياسة المالية التي تشكل أحد الثقل الكبير في الاقتصاد الوطني، وكونها من أهم وأكبر السياسات المؤثرة في مختلف نشاطات الاقتصاد المتعددة، وتحديدا في العصب الرئيس لها ممثلا في الإيرادات والمصروفات الحكومية، وما تؤثر وتتأثر به من جانب الإيرادات النفطية، ما عزز بدوره من الاستقرارين المالي والاقتصادي، من خلال الانخفاض المتدرج للاعتماد على إيرادات النفط حتى وصل إلى نحو 68 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، مقارنة بمتوسط 88 في المائة خلال العقد السابق لعام 2016، وانخفاض مساهمة تلك الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 20 في المائة، مقارنة بمتوسط 36 في المائة خلال العقد السابق لعام 2016، ومقابل كل ذلك ارتفعت مساهمة غير النفطية إلى نحو 36 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، مقارنة بمتوسط 12.4 في المائة خلال العقد السابق لعام 2016، وارتفاعها أيضا إلى أعلى من 11 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 4.7 في المائة خلال العقد السابق لعام 2016.

كل هذا وغيره من مؤشرات الأداء الاقتصادي التي تم إنجاز عديد من درجات التقدم على طريقها بنسب متفاوتة طوال الفترة 2016 - 2020، أتاح كثيرا من الخيارات المالية والاقتصادية، التي تم الرجوع إليها للتصدي الفاعل واللازم للآثار الناتجة عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، ورغم أن نتائج التحليل المقارن لأداء المالية العامة والتوظيف والبطالة والتجارة والاقتصاد الوطني بصورة عامة، مقارنة بكثير من دول العالم، ودول مجموعة العشرين خصوصا تشير في مجموعها إلى تفوق الاقتصاد الوطني مقارنة بتلك المجاميع من الدول والاقتصادات، وهو الأمر الذي يعزز كثيرا من الثقة بالاقتصاد الوطني، كما تؤكده فترة بعد فترة مؤسسات وهيئات التصنيف الدولية، إلا أن الأهم بالنسبة لكثير من المراقبين والمهتمين بالشأنين الاقتصادي والمالي محليا ودوليا، هو النتيجة المترتبة على مقارنة ملاءة وصلابة الاقتصاد قبل وبعد تلك البرامج التنفيذية والإصلاحات الجذرية التي تمت، ولا تزال ماضية في طريقها وصولا إلى أهدافها الاستراتيجية النهائية. تكمن الأهمية الكبرى لتلك النتيجة في تأكيدها المتجدد رغم كثير من المعوقات والتقلبات التي شهدتها الاقتصادات والأسواق حول العالم، على المكاسب الكبرى لثمار الإصلاحات والتطوير، وأنها تشكل الركيزة الأثقل والأهم على الإطلاق في وجه أي متغيرات وتطورات، سواء كانت إيجابية أو سلبية، وسواء كانت عالمية أو محلية، وأن تحصين الاقتصاد والمجتمع يبدأ أولا من إصلاح اختلالاته وتشوهاته إن وجدت، وثانيا البدء بتطويره واقتحام طرق الوصول إلى فرصه الاقتصادية والاستثمارية والمالية، التي كانت بمنأى عن الوصول إليها نتيجة وجود عديد من التشوهات الهيكلية، أو لغياب البرامج والمبادرات الدافعة، وهو الأمر الذي يشاهد الجميع محليا ودوليا سفينته تعبر بثقة كبيرة طرقها الوعرة، وهو أيضا الرهان الذي يراهن عليه إنسان هذا الوطن العظيم، بدعم ومتابعة مستمرين من لدن خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين.

 

نقلا عن الاقتصادية