الحقيقة أن مجتمعنا مر بأسرع طريقة من الفقر للغنى، ومن الجهل إلى العلم، ومن بيوت الطين إلى الفلل والقصور، ومن عهد البعارين في النقل إلى أرقى السيارات والصوالين، ومن التعلم البسيط على اللوح إلى أفضل الجامعات، ومن استخدام الكي في العلاج والكلّاب في خلع الأسنان إلى أحدث المشافي، ومن السقّاء إلى شبكات مياه غاية العذوبة تعم المدن والقرى، ومن ضوء السراج الخافت إلى شمس الكهرباء تعم أرجاء هذا الوطن الكبير المعطاء، وكل هذا تحقق بسرعة عجيبة وعمت التنمية الشاملة في فترة وجيزة تُعتبر في أعمار الأمم ومضة، فما حققته الدول المتقدمة في مئات السنين حققته المملكة في سنوات لا تزيد على الستين حتى سبقت المملكة كثيراً من الدول المتقدمة في الأمن والازدهار والعلم وتعميم الخدمات الراقية، وإذ كان أجدادنا القريبون يتغربون في العراق والشام والهند بحثاً عن لقمة العيش وكانوا يقولون: (الشام شامك لا من الزمن ضامك، والهند هندك لا قلّ ما عندك) فقد صار السعوديون لا يسافرون إلا سائحين مخدومين أو مبتعثين محفولين من الدولة مكفولين وانقلبت الآية بسرعة عجيبة وأعداد كبيرة إذ وفد إلى المملكة ملايين من أنحاء الدنيا متغربين يطلبون الرزق والراحة والأمن في بلدنا المعطاء الأمين، وملايين غيرهم يتمنون العمل في المملكة التي صارت مضرب المثل في وفرة الرزق وشمول الاستقرار والأمن..
نحتاج مجلدات لو أردنا توثيق ما كنا فيه وما صرنا إليه، والمستفاد من هذا هو أن نشكر الله - عز وجل - على نعمه التي لا تُعد ولا تحصى، ونعرف ظروف ماضينا القريب وتحدي بيئتنا الشديد، فنحن فقراء في الماء إلى حد الجفاف وفي الزراعة إلى حد الكفاف فنكف عن الإسراف والتبذير ونبعد عن الترف والتكاسل، ونجد في الإنتاج والعمل ونُعرّف الجيل الجديد أننا رغم الخير الذي نرفل فيه لانزال نعيش في صحراء العرب التي الأمن فيها هو الحياة وقطرة الماء فيها أغلى من الذهب، فإن الملاحظ على أكثر الجيل الجديد أنهم لا يعرفون قسوة ماضيهم القريب ولا يعون تحدي بيئتهم الرهيب فأكثرهم مسرفون في هدر الماء والطاقة والغذاء، حتى امتلأت المزابل بالطعام وتلوثت البيئة بدخان سيارات تدوج بلا أهداف، وهذا إسراف ضد الدين والعقل والضمير والمستقبل، والله لا يحب المسرفين، فالإسرف إيدز المجتمعات يسلبها المناعة، ويصيبها بالرخاوة والضعف والاعتماد على الأجانب في الأعمال والاستيراد في الملابس والمركب والطعام، وهذا ضد طبع ورسالة الإنسان الذي خلقه الله لعبادته وشكره وعمارة أرضه..
قولوا لبيت الفقر لا يامن الغنى
وبيت الغِنى لا يامن الفقر عايد
راشدالخلاوي
وإذا الفتى ظفرت يداه بنعمةٍ
فدوامها بدوام شكر المنعمِ
ابن أبي حفصة
نقلا عن الرياض
دعوة مخلصة من كاتب قدير لعدم الاسراف فشكرًا لكم أستاذ عبدالله