كثيرون جدا أولئك الذين تجتذبهم أحلام اليقظة الساحرة نحو عالم الثراء، فما أن تجتمع لدى أحدهم مدخرات تقع بين 200 ألف ريال و1.0 مليون ريال على سبيل المثال لا الحصر، إلا وقد أصبح لا يفارق مخيلته حلم تأسيس مشروع صغير، ثم تتطرز أمام عينيه أرباح تفوق الواقع، وأخطر من ذلك أن يقترض آخر قرضا استهلاكيا من أحد المصارف مبلغا يقع بين تلك الحدود سالفة الذكر أعلاه، لينطلق نحو تأسيس مشروع صغير طالما راودته أحلام اليقظة حوله، وقليل جدا من قد تتحقق له أحلامه، بينما الخسارة الفادحة هي النسبة الغالبة على البقية، وليت الأمر يقف عند خسارة رأس المال رغم المرارة الكبيرة لتلك الخسارة، بل إنها تتجاوزها بنسبة كبيرة إلى التورط في سداد مبالغ طائلة من القروض المستحقة السداد.
ليس الأمر هنا كما يظن كثيرون إغلاقا وسدا لطريق تحسين أوضاع المرء المالية والمعيشية، بقدر ما إنه منبه تحذير طالما تم تجاهله ممن تورطوا في أحلام الثراء، ولو عاد بهم الزمن إلى ما قبل الإقدام على هذه الخطوة، التي قد يكون فات صاحبها كثير من المتطلبات والدراسة والتأني، لوجدته بعد فوات الأوان سيقتنع تماما بصدق وأهمية هذا المنبه التحذيري. وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل أو إنكار النجاح اللافت الذي تحقق لكثير من المشاريع الاستثمارية التي بدأت صغيرة جدا، سرعان ما نمت وكبرت خلال أعوام عديدة، وتحولت إلى مشاريع كبيرة وناجحة، إلا أنها تظل كنسبة إلى الإجمالي أقل من أن تتجاوز نسبة الـ 10 في المائة في أحسن الأحوال، والحديث هنا يتركز على نسبة الـ 90 في المائة أو أكثر من إجمالي تلك المشاريع الصغيرة، التي دفع فيها كإجمالي مليارات الريالات من مدخرات أفراد يتجاوز أعدادهم مئات الآلاف، سرعان ما تلاشت واختفت وتحولت إلى خسائر مريرة على رؤوس من كانوا بالأمس القريب يرفلون في أوضاع مالية أفضل مما هم عليه بعد وقوع الفأس في الرأس.
إن أول وأهم خطوة لحماية مدخراتك المحدودة من الفقدان والخسارة، والنجاة بنفسك من التورط في أسر سداد ديون طائلة، سيتحملها دخلك الشهري الثابت لأعوام مديدة مقبلة، وألا تتحول من مستوى معيشي جيد أو ممتاز إلى ما دون مستوى محدود الدخل بقية عمرك الوظيفي، أؤكد أن أول وأهم خطوة عليك القيام بها أن تتجنب البدء في هذا الطريق بالغ الخطورة، إلا بعد أن تبذل أقصى جهود الدراسة والتقييم والتقصي، وتعتمد بالدرجة الأولى في ذلك على أهل الخبرة والاختصاص، لا على أحلام اليقظة الوردية أو على استشارة الأصدقاء والزملاء وأنتم تتناولون أقداح الشاي والقهوة، وأن تحذر من الوقوع تحت تأثير سحر قصص النجاح لتجارب الآخرين، التي لا أبالغ إن قلت لك، إن "حكاويها" قد زاد كل من مرت عليه بهارات ومشهيات من "كيسه" الخاص، وقد تكون وصلت إليك تلك القصة بعد أن وضع عليها مئات الرواة وأسياد حكايات ألف ليلة وليلة من البهارات والمشهيات ما يكفي سكان الهند قرنا من الزمان، ومن في الحقيقة سيدفع ثمن كل هذا غيرك؟ إن أنت صدقت تلك القصص الخيالية، ثم اندفعت على غير هدى في طريق منحدرة، رأتها عيناك الواقعة تحت سحر الأحلام طريقا صاعدة وهي غير ذلك.
إذا كان كثير من المشاريع الصغيرة تواجه خطر سقوطها في الخسارة كنهاية حتمية أثناء الرواج الاقتصادي، فما بالك بحال تباطؤ النمو الاقتصادي، أو بحال حدوث أزمات اقتصادية عالمية كالتي يمر بها العالم المعاصر اليوم؟ والحل الأقل مخاطرة بالنسبة إليك في الأحوال كافة، سواء كان الاقتصاد يمر بحالة من التعافي والنمو، أو بحال مروره بأزمات ومراحل ركود أو كساد، أن تفكر في الخيارات الاستثمارية البديلة الأخرى الأقل مخاطرة، حتى إن كانت أقل ربحية في الأجلين القصير والمتوسط، والمعيار الأساس هنا هو حماية مدخراتك أولا وأخيرا، قبل أن تنجرف خلف أحلام تحويلها سريعا إلى ثروة طائلة، هذا المنطق سيقبله ويقتنع به 100 في المائة من ذاق ويلات الخسارة والديون الطائلة، وعلى العكس تماما بالنسبة لمن ما زالت أحلام اليقظة الوردية تراوده صباح مساء، فقد تصل به حالة الإنكار والرفض إلى الاستهزاء التام بكل ما تقدم ذكره، وليس مجرد التفكير بخيارات استثمارية أخرى، وقد لا يقتنع به إلا بعد فوات الأوان.
تتيح جميع الشركات الاستثمارية المرخصة من الأجهزة الرسمية أهمها هيئة السوق المالية، خدمات تقديم الاستشارات الاستثمارية لعملائها، ويمكن بالاعتماد على تلك الخدمات الواسعة التنوع، أن يصل صاحب المدخرات إلى أفضل وأنسب الخيارات الاستثمارية الملائمة له، أخذا في الحسبان مصادر دخله وحجمها وعمره وحجم الالتزامات الراهنة والمتوقعة مستقبلا عليه، وكثير من الاعتبارات والجوانب التي بالتأكيد قد فاتته تماما وهو يخطط وحيدا أو مع أصدقائه على مشروعه الاستثماري الحالم.
إذا جاءت نتائج تلك الخدمات الاستشارية المختصة، المدفوعة الثمن بالتأكيد إنما تظل أدنى بكثير من خسارة رأس المال كاملا وفق توصيات أحلام اليقظة الوردية، وهذا ليس تسويقا لتلك الشركات الاستثمارية، بقدر ما أنه مجرد رأي أطرحه أمام القارئ، يمكنه الأخذ به ويمكنه أيضا تجاهله تماما. أؤكد إذا نتج عن تلك الخدمات الاستشارية المختصة، نصح الفرد المدخر بالاستثمار في سلة من الأوراق المالية "أسهم شركات مدرجة مجدية، صكوك تتوافق مع الشريعة الإسلامية"، وبدأ المستثمر خوض تلك التجربة الأقل مخاطرة بالنسبة إليه، فقد تراه يزداد اقتناعا بسلامة قراره التي اتخذه عاما بعد عام، وكلما طالت فترة الاستثمار وفق تلك المنهجية، رأيته قد نجا بنفسه وماله من مخاطر كثيرة، على أنه لا يمكن إغفال تعرضه لخسارة أو نحو ذلك في مراحل زمنية وسيطة، وهو أمر محتمل ووارد ولديك إحدى تلك الشركات المدرجة في السوق المالية المحلية "دون ذكر اسمها"، التي تعد من أفضل الشركات المجدية، كان سعر سهمها قد تعرض لخسارة فادحة عام 2006 بنسبة فاقت 84 في المائة، إلا أنها في المقابل بالنسبة للمستثمر طويل الأجل في تلك الشركة "18 عاما"، قد تحقق له متوسط ربح سنوي وصل إلى 16 في المائة، تشكل من نمو سعر السهم زائد التوزيعات السنوية للأرباح زائد رسملة الأجزاء الأخرى من الأرباح، وقد تجد استثماره قد تضاعف خلال تلك الفترة نحو 14 مرة.
ختاما: سيكون مجديا لكثيرين البدء بالاستثمار في القصص الحقيقية لنجاح الآخرين ومشاركتهم، وهو خيار أفضل بكثير من البدء من الصفر، وتجنب المخاطر العالية لاحتمالات الفشل والتعثر، هذا عدا المتاعب الجسيمة والوقت الكبير الذي سيستنزفان منك كثيرا وكثيرا جدا، ويبقى القرار أولا وأخيرا بكل تأكيد لك، لاتخاذ ما تراه وتحمل نتائج ذلك القرار، إما ربحا أو خسارة.
نقلا عن الاقتصادية
الإشكالية عندما يقدم الشخص على الإستثمار وهو ما زال لا يمتلك بعض الأساسيات , مثل المنزل . مثل هذا الشخص يجب أن يعلم أن أمتلاكه لمنزل هو المشروع الذي لا بد أن يبدأ فيه . أو أن يخطط له . اذا الشخص يمتلك جميع الأساسيات وليس لديه مديونيات ولا ألتزامات قريبة المدى و لديه مبلغ من المال ممكن في هذي الحالة نقول والله استثمر . لأن حتى لو خسر ما راح تكون الخسارة على حساب الأساسيات. سوق الأسهم خيار ممتاز جداً , ولكن وفق استراتيجية مدروسة وخطة منظمة , أنا أفضّل المضاربة عن اللإستثمار . و أفضّل ركوب الموجات و الثبات حتى تشارف على الإنتهاء , القفز من شركة لشركة بشكل يومي تشتت الشخص و تأكل رأس ماله و أرباحه .