بينما نعيش اليوم ذكرى 90 عاما على تأسيس المملكة التي تصاحب تغيرات غير مسبوقة على المستويين الاقتصادي والسياسي، سواء على مستوى العالم أو المستوى المحلى، يجب أن نستذكر التغيرات الديموغرافية التي يمر بها المجتمع السعودي بدءا من وقت توحيد المملكة إلى هذا اليوم، حيث يقدر عدد سكان المملكة - وقت تأسيس المملكة قبل 90 عاما - في حدود مليوني نسمة (كما يذكر الدكتور رشود بن محمد الخريف)، ومن ثم نمو العدد إلى 17 مليونا في التسعينيات الميلادية (مواطنين ومقيمين) حتى وصل إلى 33 مليون نسمة (مواطنين ومقيمين)، هذا النمو الكبير كان مدفوعا بمعدل خصوبة عال ومنطقة جذب ممتازة للأجانب للعمل بفضل التطور الاقتصادي الذي حصل منذ تدفق النفط.
عبر كل هذه الأعوام والتغيرات كان هناك متغير ديموغرافي مهم جدا حصل خلال العقدين الأخيرين وهو في التركيبة السكانية للمملكة، حيث إن ما يقارب 60 في المائة من المواطنين السعوديين لم يكونوا موجودين مثلا عند إطلاق أوبريت "مولد أمة" الذي قدم في مهرجان الجنادرية عام 1990 من كلمات الأمير بدر عبدالمحسن، الذي كان من أفضل ما قدم فيما يتعلق بالاحتفالات الوطنية، حيث إن هذه الشريحة من السعوديين وهم الأكثرية وهم المستقبل ولدوا بعد هذا التاريخ، وهذا يعطي دلالة حول مدى تغير التركيبة السكانية العمرية للسعودية أكثر من 12 مليون سعودي هم من يشكلون هذه الفئة العمرية، منهم أكثر من ثمانية ملايين شخص سينضمون إلى سوق العمل خلال فترات متعددة مستقبلا، طاقات كبيرة واعدة وهم من سيشاهد كيف تنعكس رؤية 2030 عليهم وعلى مستقبلهم، فهي مستقبلهم وحاضرهم، وهذا لا يعني أبدا أن الرؤية هي فقط لهم لكن أقصد من ناحية تشكيل الوظائف وسوق العمل المستقبلية.
هناك تغيرات اقتصادية كبيرة جدا واجتماعية كذلك تحدث لدينا في السعودية ترافق هذا التغير الديموغرافي، التحول الاقتصادي للسعودية نحو تنويع قاعدة الإنتاج، ورفع مشاركة القطاع غير النفطي، ورفع مشاركة القطاع الخاص، وزيادة منافسته ومساعدة القطاع الخاص ليكون هو المولد للوظائف مستقبلا، وتخفيف مشاركة الحكومة في الاقتصاد، وإطلاق قطاعات جديدة كليا في السعودية، وهي المتوقع منها توفير وظائف كبيرة ورفع الناتج المحلي، مثل قطاعات السياحة، مع تحسين أداء الجهات الحكومية المتعلقة بها، ومشاركة صندوق الاستثمارات العامة في تأسيس الشركات المستثمرة في السياحة ليقوم بدور الريادي في هذا المجال، كذلك إطلاق قطاع الترفيه وهو موظف رائع للكوادر البشرية كذلك بالتعاون مع الصندوق والقطاع الخاص وهو ما أثبت أنه قطاع مغر استثماريا في السعودية، كذلك قطاع الصناعة وخطط توطينها كلها تعمل بشكل مستمر لتحقيق المطلوب منها.
نحن نسير إلى المستقبل وبعد عشرة أعوام من الآن سيكون اليوم الوطني بشكل مختلف تماما من اليوم، حيث سيكون الذكرى المئوية لتأسيس المملكة، وفي الوقت نفسه تاريخ تحقق رؤية 2030 التي إن سارت على خططها - بإذن الله - حتى هذا التاريخ، فسيكون لدينا نصف الشريحة التي ذكرتها من السعوديين قد بلغوا سن العمل ويرون بأعينهم نتائج 2030 على الاقتصاد وسوق العمل، وحينها نستطيع أن نقول لهم وهم الذين لم يعيشوا الأجواء الرائعة لأوبريت عام 1990: إنكم تشهدون نتائج "ميلاد أمة" على الواقع، وليس فقط في الكلمات، أقوى وأكثر متانة لمواجهة مستقبل أكثر صعوبة ومنافسة بين الأمم والشعوب.
نقلا عن الاقتصادية