تأثير العقود المستقبلية في الأسهم السعودية

13/09/2020 0
د. فهد الحويماني

ما طبيعة العلاقة بين العقود المستقبلية السعودية والأسهم السعودية؟ من يؤثر في الآخر؟ وكيف يتم ذلك؟

العقود المستقبلية هي سوق جديدة بدأ العمل بها في 30 آب (أغسطس)، والعقد فيها عبارة عن التزام بين طرفين ينتهي بفوز طرف على الآخر خلال فترة سريان العقد. وحركة سعر العقد تتماشى مع قيمة مؤشر (إم تي 30)، الذي يتحرك بشكل قريب جدا لحركة مؤشر سوق الأسهم (تاسي). لذا فالعقد عبارة عن مراهنة على توجه الأسهم السعودية خلال فترة سريان العقد، فهناك عقد ينتهي بنهاية الشهر الحالي وآخر ينتهي الشهر المقبل، وهكذا.

يتم تداول العقود المستقبلية في سوق منفصلة عن سوق الأسهم، ولكن هناك تأثيرات مباشرة وتأثيرات غير مباشرة، بعضها نظامي وطبيعي وبعضها ربما غير ذلك. دعونا نبدأ بالتأثير غير المباشر ونرى كيف يتم ذلك.

حركة العقود المستقبلية لمؤشرات الأسهم يستخدمها البعض في توقع حركة الأسهم قبل افتتاح سوق الأسهم وأثناءه، فمثلا لو تبين أن عقود الشهر الحالي تشير إلى ارتفاع 2 في المائة عن اليوم السابق، فهذا يؤثر في توجهات المتداولين ونظرتهم للسوق، ولا سيما أن المتداولين في العقود المستقبلية في الأغلب يكونون أكثر احترافية من عموم المتداولين، فهذا مثال على التأثير غير المباشر.

التأثير الآخر غير المباشر والأعلى خطورة هو احتمالية قيام فئات متلاعبة من المتداولين في السوق المستقبلية بالتأثير المباشر في حركة الأسهم بسبب وجود مراكز لديهم عالية القيمة في العقود المستقبلية، حيث إن حركة الأسهم بمقدار معين وباتجاه معين قد تنتج عنها أرباح كبيرة لهم، أو على الأقل قد تقلص من خسائر كبيرة بحقهم. بمعنى آخر، يمكن لمن يتعاملون في السوق المستقبلية ولديهم محافظ أسهم كبيرة أن يقوموا بتسييل محافظهم للتأثير في حركة الأسهم وبالتالي يحققون أرباحا عالية من العقود. هل هناك ما يجرم مثل هذه العمليات في أنظمة هيئة السوق المالية؟ لا أعتقد، كما أن مسألة عدم نظامية مثل هذه العمليات أمر قابل للنقاش.

هذا المثال لمن يقوم بإجراء عمليات في سوق الأسهم أو في سوق العقود بهدف تغيير مسار الأسعار لتأتي في صفه يمكن اعتباره تأثيرا مباشرا ولكن قد يكون نظاميا وقد لا يكون، غير أن الحالة التالية هي للتأثير المباشر النظامي في حركة سوق الأسهم من خلال نشاطات العقود المستقبلية، كيف يتم ذلك؟

أولا علينا أن نعي أن حجم سوق العقود المستقبلية أصغر من سوق الأسهم، على الأقل حاليا لكون النظام لا يسمح بفتح أكثر من عشرة آلاف عقد لجميع الأشهر، باستثناء حالات معينة. فإذا كان حجم العقد الواحد نحو 100 ألف ريال (حجم العقد = قيمة المؤشر × 100 ريال)، فإن أكبر حجم للعقود سيكون نحو مليار ريال (10 آلاف عقد × 100 ألف ريال)، بينما يتم تداول عدة مليارات من الريالات بشكل يومي في سوق الأسهم. لكن النظام كذلك يسمح بفتح عقود جديدة تتجاوز هذا الحد الأعلى وذلك للجهات التي لديها محافظ أسهم، حيث تكون الأسهم غطاء أو ضمانا للعقود، وبالتالي يمكن أن يتجاوز حجم العقود مليار ريال.

التأثير المباشر يأتي بسبب عمليات المراجحة (آربيتراج) التي يقوم بها المحترفون الذين يبحثون عن ربح قليل ولكن مضمون 100 في المائة! وهؤلاء المحترفون بالضرورة يتعاملون بشكل مباشر في السوقين في آن واحد. لكن كيف يمكن أن يكون هناك ربح مضمون بشكل مطلق في الأسواق المالية، ونحن نعلم تماما أنه لا توجد وسيلة مالية ربحها مضمون عدا ربما سندات حكومية قوية جدا أو إيداع في مصرف عريق ومتين، حتى إن تم ذلك يكون العائد قليلا جدا؟

فكرة المراجحة أن المتداول المحترف يراقب القيمة العادلة للعقد التي لها طريقة حساب معينة من خلالها يمكن معرفة ما إذا كان السعر المتداول للعقد أعلى أو أقل أو مساويا للقيمة العادلة. فلو كان سعر العقد ألف ريال بينما القيمة العادلة 990 ريالا، يقوم المتداول على الفور ببيع العقد على المكشوف وشراء الأسهم المبني عليها العقد، وهي أسهم مؤشر (إم تي 30)، ويتم ذلك إما بتكوين محفظة تحتوي على جميع هذه الأسهم، وإما شراء أسهم صندوق مؤشر (إم تي 30)، وفي كلتا الحالتين سيكون هناك تأثير مباشر في حركة الأسهم، يمكن أن نطلق عليه اسم "التأثير المباشر الإيجابي"، كون حركة المتداولين تؤدي إلى شراء الأسهم، وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

التأثير المباشر السلبي (أي الذي يؤدي إلى هبوط أسعار الأسهم) يتم مثلا عندما يكون سعر العقد ألف ريال بينما القيمة العادلة 1050 ريالا، عندها يقوم المتداول على الفور بشراء العقد والبيع على المكشوف للأسهم المبني عليها العقد، ولكن هنا إشكالية عدم إمكانية ممارسة البيع على المكشوف على الأسهم مباشرة. لذا من يستطيع القيام بهذه العملية حاليا هم صناع السوق المسموح لهم بالبيع على المكشوف، وبالتالي ستكون هناك ضغوط بيعية للأسهم ما يجعل أسعارها تنخفض.

في هذه المقالة استعرضنا العلاقة بين سوق العقود المستقبلية وسوق الأسهم ورأينا كيف يمكن أن يكون التأثير مباشرا أو غير مباشر، نظاميا أو مشكوكا في نظاميته، وتوصلنا إلى أن هناك تأثيرا بين السوقين على الرغم من أنهما منفصلتان تماما عن بعضهما بعضا. النقطة الأخيرة هي أن هذه التأثيرات ستتصاعد مع مرور الوقت، وحاليا بداية عمل العقود المستقبلية ضعيفة جدا، وقد نتطرق إلى أسباب ضعفها في مقالات قادمة.

 

نقلا عن الاقتصادية