تواجه وزارة التجارة مع عديد من الوزارات في هذا الوقت معركة شديدة للحد من التستر التجاري، من أجل أهداف نبيلة لتحقيق الاستقرار والاستدامة المالية الوطنية. لذا فمن الواجب أن نسهم جميعا في تحقيق مستهدفات البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، ونقدم الرأي في ذلك. وارتباط موضوع التستر التجاري بموضوع هذا المقال شديد ومن عدة أوجه.
إحدى أهم أدوات ضبط الأعمال التجارية ومنها المنشآت الصغيرة والمتوسطة Small & Medium Enterprises SMEs هي القوائم المالية. والقوائم المالية نتاج لإمساك الدفاتر المحاسبية التي يتم بها قيد جميع العمليات المالية للتعرف على مركزها المالي، ونتائج ممارسة أعمالها وربحيتها. وهذا من أجل حفظ حقوق ملاك تلك الشركات أولا، ثم من أجل تطبيق بيئة ذات حوكمة عالية تحفظ جميع حقوق أصحاب المصالح ومنهم الدائنون والعملاء والعاملون والدولة. التوجه الدولي نحو تطبيق الحوكمة في جميع الأنشطة، ونتيجة لفشل عدد كبير من الشركات في الاستمرار أو الوفاء بالتزاماتها، ظهرت الحاجة إلى تطبيق مفهوم التوحيد convergence أو الدمج harmonization فيما يتعلق بالمعايير المحاسبية المستخدمة في إثبات وقيد أنشطة الأعمال التجارية الكبيرة أو الصغيرة. وهذا النشاط بدأ منذ مطلع هذا القرن بعد أن فشلت كبرى الشركات الأمريكية في الاستمرار والصمود، ونسبت أسباب تلك الانهيارات لضعف الحوكمة ومن ضمنها تفسيرات المعايير الأمريكية للمحاسبة FASB. وأصبح الاتجاه العالمي نحو توحيد المعايير المحاسبية مدعوما من المنظمات والدول لتحقيق التماثل لتوفير بيئة مناسبة لتعزيز أدوات الاستثمار والمحافظة على حقوق أصحاب رأس المال.
بدأت المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية International Financial Reporting Standards المعروفة اختصارا IFRS وتعد من ضمان المبادئ المحاسبية المقبولة قبولا عاما GAAP لتوحيد المعايير المستخدمة في كل دول العالم ضمن مشروع يرعاه مجلس معايير المحاسبة الدولي International Accounting Standards Board المعروف اختصارا IASB، وبدأت الدول باعتمادها وتنفيذها للمكاسب التي ستحققها من خلال عملية توحيد المعايير في سبيل جلب المستثمرين، وتوحيد أدوات إيصال الرسائل المتعلقة بالنتائج المالية في سبيل العولمة التي يسير فيها العالم.
في المملكة بدأ التحول نحو المعايير الدولية IFRS بالتطبيق على الشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية من بداية عام 2017 على أن تتبعها في العام التالي بقية الشركات. تجربة تطبيق المعايير الدولية تجربة ثرية وتستحق الدراسة لمعرفة مدى الاستفادة منها. لكن في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة SMES ومنها المنشآت متناهية الصغر التي تمثل نسبة كبيرة جدا من المنشآت المصرحة في المملكة تفوق 97 في المائة، وجود سجلات محاسبية ليس مطلبا نظاميا. وقد تكون وجهة النظر هنا أن الإلزام بذلك سيضيف تكاليف عالية جدا إلى هذا النوع من المنشآت. رغم أن إمساك الدفاتر وتقديم القوائم المالية وتدقيقها سيكون لها أثر إيجابي أكبر في توفير التمويل لهذه المنشآت، وفرصة لاقتناص المستثمرين في السوق لتحقيق نمو لها، ودليل يثبت مصادر الأموال وعدم وجود تلاعبات أو استغلال لهذه المنشآت من قبل فئة ترضى بقليل مقابل أن يحقق المتستر عليه كثيرا. إن زرع ثقافة القيد والتسجيل وإمساك الدفاتر ونظامية المعاملات المالية، سيعزز من نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، واستدامة أعمالها، وسيسهم في توطين عديد من الوظائف المحاسبية ضمن سلسلة الخدمات المحاسبية والمالية التي تتطلبها هذه العملية. وقد تقضي على العمليات المالية غير الشرعية. وستكون إحدى خطوات حوكمة المنشآت من خلال تطبيق المعايير الدولية.
نقلا عن الاقتصادية