كثر الحديث هذه الأيام عما يمكن أن يسمى مؤشرات الأحياء وخدماتها وتطوراتها. حصل ذلك بعد لقاء تلفزيوني قبل أيام مع الدكتور عبدالعزيز الزوم محافظ الهيئة العامة للمنافسة. ومؤشر الحي مقياس رقمي لنوعية الحي ومستوى الخدمات والمرافق المتاحة فيه.
ظهرت الفكرة أعني مؤشرات للأحياء وما فيها من خدمات وما يحصل فيها من تغيرات قبل عشرات الأعوام، لكن بدء تنفيذها حصل في دول غربية على نطاق محدود نسبيا قبل بضعة و20 عاما. تأخير التنفيذ بسبب التكلفة، مقارنة بالفائدة المحدودة من هذه المؤشرات. وهي نقطة سأوضحها لاحقا. لكن التطورات التقنية خفضت هذه التكلفة تخفيضا ملموسا، ما أتاح لها الظهور.
القائمون على بناء هذه المؤشرات عادة جهات لها علاقة مباشرة بالعقار والعمران، سواء علاقة إدارية وتنظيمية أو علمية بحثية. أشهر أو من أشهر هذه المؤشرات ما يمكن أن يترجم بشراكة مؤشرات الأحياء الوطني National Neighborhood Indicators Partnership واختصارا NNIP والجهة القائمة عليه المعهد الحضري Urban Institute في العاصمة الأمريكية واشنطن. وهو معهد يعمل فيه مختصون منهم مهندسون واقتصاديون وإحصائيون وغيرهم. نفذ هذا المؤشر وظهر للناس قبل نحو 20 عاما. واعتمد بشكل كبير على شيئين: تمويلات من الحكومة الأمريكية وجهات أخرى متبرعة، وبيانات ومعلومات عن الأحياء في عدة مدن أمريكية.
وهناك أكثر من مسمى تبعا للترجمة. فيسمى أحيانا مؤشر خدمات الحي وأحيانا مؤشر الإقامة والعيش في الحي.
وبعض الناس فهم خطأ هذه المؤشرات بأنها مؤشر سعري. لكن الهيئة العامة للإحصاء هي الجهة التي تصدر أرقاما قياسية لأسعار العقار. وللفائدة الأرقام القياسية indexes أعلى في المحتوى والبناء الفني من المؤشرات indicators. ولا تنوي الدولة تسعير العقار. وسبق أن نفى ذلك محافظ الهيئة العامة للعقار. لكن هذا طبعا لا يتعارض مع حق الدولة التام في محاربة أي تصرفات غير مشروعة في أي سوق وسلعة. وللعلم، الدولة تسعر فقط الخدمات والسلع التي تقدمها شركات وحيدة مخصوصة، كالماء والكهرباء.
ما حدود الاستفادة من مؤشر خدمات الحي وتبعا تأثيراته؟
الاستفادة من المؤشر وتأثيراته محدودة لثلاثة أسباب:
الأول: الميزات والخدمات والمرافق المتاحة في أي حي أو مكان معروفة للناس من حيث العموم. والعادة أن من يرغب في الشراء يسأل ويبحث ويتشاور مسبقا مع مقربين إليه.
وزيادة في التوضيح، فإن الخدمات المتاحة في أي مكان من كهرباء وماء وسفلتة وأوصاف شوارع ومرافق عامة وإنشاءات وأسواق ومحال ظاهرة للعيان ليست أمرا خفيا أو تقنيا صعبا فهمه. وزاد المعرفة بها "جوجل" وخدماته المعروفة للناس. على سبيل المثال، نعرف توسع الاعتماد عليه في التعرف على المواقع، أي: ما درج على تسميته "اللوكيشن".
هل يسهم المؤشر في بيان خصائص باطن كل أرض غير مبنية، أي ما تحتها داخل كل حي؟ أشك في ذلك. وهنا من المناسب، إصدار ما يوضح للناس خصائص في التربة غير مرئية، وما ينبغي لهم العلم به وفعله قبل الشراء.
أما أجزاء المخطط العمراني لأي مدينة لم تصل إليها المرافق والخدمات بعد، بل تعد في عرف الناس برا، فخصائص هذه الأجزاء ليست سرا، بل يبدو واضحا عيانا بيانا أنها بر. وأسهمت ضريبة القيمة المضافة في الحد الواضح من المضاربات في هذه المواقع. من هنا نفهم أن الأنسب تشبيه شراء عقار مبني بشراء سيارة مثلا. التشبيه من بعض الوجوه، ووجه الشبه الحاجة إلى التأكد من الجودة. وتبعا حبذا أن يسهم المؤشر مع غيره في تبيان تفاصيل عن تكاليف ومستويات الجودة في مواد البناء وتنفيذه.
كل ما سبق لا ينفي احتمالية جهالة تفاصيل موجودة، أو تغيرات في الموجود، أو تطورات جديدة مستقبلية. وهو ما ينبغي للمؤشر أن يسهم فيها. لكن هذه المساهمة تتطلب جهودا فنية كبيرة مكلفة وتعاونا بين جهات كثيرة. والفائدة المرجوة تبرر تحمل هذه التكلفة في نظري.
السبب الثاني: كثير من الخدمات المتاحة يتفاوت أهل الحي في الاستفادة منها حسب موقعهم في الحي. ومن ثم فالحكم ليس واحدا داخل الحي.
والسبب الثالث: هناك اعتبارات تهم بعض الناس في تفضيل حي أو موقع بعينه للشراء أو الإقامة فيه، غير الخدمات والمرافق المتاحة. من أمثلة هذه الاعتبارات مكان عمله وإقامة والديه ونوع الجيران وغير ذلك.
وهناك تفاصيل خلاف كل ما سبق، يتفاوت الناس كثيرا في النظر إليها ومدى الاهتمام بها عند اختيار مكان السكن. وهنا تساؤل عن إمكانية أن يوضح المؤشر ما أمكن هذه التفاصيل. طبعا تحقيق ذلك يتطلب جهودا كثيرة مكثفة ومتواصلة. وكل هذا له تكلفة.
وتبقى تفاصيل لا نعرف هل سيتضمنها مؤشر الأحياء المزمع تطويره أو لا، مثل مستويات الحركة والزحام المروري، وخدمات النقل العام، ورأس المال الاجتماعي.
كما أن من المهم تعاون عدة جهات حكومية، كوزارات الصحة والشؤون البلدية والإسكان، في إصدار هذا المؤشر والاستفادة منه. وحبذا لو احتوى المؤشر على ملامح لمعلومات إضافية مثل أنظمة البناء.
نقلا عن الاقتصادية