كان يوم الرابع من أغسطس مفصليًا في تاريخ لبنان، حيث وقعت الفاجعة الكبرى بانفجار في مرفأ بيروت العاصمة التي تأثرت بأكملها ووصل صدى هذا الانفجار إلى دول مجاورة من شدته، ومع محاولة لملمة المدينة لجراحها والبحث عن المفقودين ومعاينة الأضرار وقع الانفجار الشعبي غضباً على الطبقة السياسية الحاكمة، لأن ما حدث يعبِّر بشكل لا لبس فيه عن حجم الفساد والإهمال الذي يعيشه لبنان منذ سنوات دون حلول مما فاقم وزاد من أزماته والتي اشتدت في الشهور القليلة الماضة مع انهيار سعر صرف العملة والإجراءات المشددة بالنظام المالي خوفاً من انهيار البنوك.
فلبنان اعتاد لسنوات طويلة على المساعدات الخارجية وتحويلات المواطنين الذين يعملون بالخارج، ومع ذلك كتلة الدَين العام ترتفع في حالة منفردة لهذه الدولة التي قاربت مديونيتها 100 مليار دولار مع تعداد سكاني يقارب ستة ملايين دون أي تطور أو نمو في الاقتصاد، فالبطالة مرتفعة وبعض التقارير تشير أنها تتحاوز 30 بالمائة، ولا يوجد أي حلول إصلاحية حقيقية لأنها تصطدم بمصالح ضيقة لأطياف من الطبقة السياسية لدرجة أن لبنان كان يعمل لسنوات طويلة فقط ليعتمد موازنة عامة سنوية كحال أي دولة ولم يتمكنوا من فعل ذلك إلا قبل أكثر من عام إلا أن الواقع المزري للاقتصاد اللبناني يتجاوز كل ذلك، فهناك أكثر من دولة داخل الدولة، والعمل من التكتلات السياسية يقوم في أغلبه على النظر لمصالحها الضيقة أو لمصلحة طائفة أو إثنية، فالتركيبة السياسية هي ما يعقِّد المشهد اللبناني، لكن حادثة مرفأ بيروت وما خلفته من دمار شكلت صدمة للبنانيين وللعالم، وذلك لمدى فداحة ما وصل له لبنان من فساد وإهمال ومخاطرة بحياة أكثر من مليون إنسان يعيشون بمدينة بيروت.
فعظمة الحدث جعلت الرئيس الفرنسي يزور بيروت في اليوم التالي للانفجار ويقوم بجولة في المناطق المتضررة ويتحدث للمواطنين اللبنانيين مباشرة، فهو لم يحضر ليدعم شرعية المنظومة الحاكمة بل التقى بهم وطالبهم بالإصلاحات وأعلنها صراحة بضرورة عمل ميثاق سياسي جديد. وإذا كانت الحكومة اللبنانية لم تدرك مطالب الشعب قبل شهور بالقدر الكافي فلابد مع هذا الاستنكار الضمني الدولي لدورها المشلول وحالة الانقسام التي تسود المتحكمين بلبنان أن تعي بأن مرحلة قادمة لا محالة ستتمثل بضغط دولي للقيام بإصلاحات حقيقية، فلبنان شبه مفلس ولا يمكن أن يتم انتشال اقتصاده إلا بدعم دولي ضخم، فالخسائر الحالية لهذا الانفجار قدرت بحوالي 15 مليار دولار ستضاف للدين العام، إضافة إلى تكاليف الإعمار وكذلك الخسائر التي ستترتب على الاقتصاد خلال فترة التعطل في شرايين الاقتصاد. فمشكلة لبنان لن يحلها إلا المحتمع الدولي، وهذا الأمر يعرفه كل اللبنانيين، إنه لن يتحقق مع منظومة حاكمة متناحرة وغير متجانسة، فالدولة كلها زعامات فكيف سيتحقق الوفاق.
رحم الله من مات في هذه الفاجعة وعجَّل بشفاء المصابين، فما انفجر في لبنان ليس المرفأ فقط بل فقاعة الفساد التي كان الجميع يراها تكبر وينتظر حلاً لها، لكن نترات الأمونيوم هي التي فجرتها مخلفة تداعيات لن تتوقف عند ترميم المباني وتضميد الجراح والمساعدات الدولية العاجلة، فإذا لم تنتقل لبنان لمرحلة العمل الصحيح فإن الوضع سيزداد سوءًا وقتامةً ولن ينتهي إلا بمعجزة، فالعالم لن ينفق أمواله على دولة شعبها لا يثق بطبقتها الحاكمة ولم تجلب له إلا الويلات والدمار.
نقلا عن الجزيرة