صراع الأفيال.. الفقراء الخاسر الأكبر من الحرب التجارية

04/08/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

غالبا ما يتم تصوير الحروب التجارية في الوقت الراهن على أنها نزاع مدمر بين دولتين أو أكثر، إلا أن ذلك توصيف سطحي ومتسرع لا ينفذ إلى العمق، حيث تعد الحروب التجارية نتيجة متوقعة ومنطقية للخيارات الاقتصادية التي تستهدف تحقيق مصالح النخبة الثرية على حساب المهمشين، كما أنه يمكن اعتبارها النسخة الأشد تطوراً للمعركة الكلاسيكية بين أثرياء العالم وفقراؤه، وكما يخبرنا المثل الأفريقي القديم فإنه "عندما تتقاتل الأفيال فإن الحشائش والأعشاب هي التي تعاني"، إذ أنه حينما تتصارع الاقتصادات الكبرى، تصبح الدول النامية الأشد تضرراً، والواقع يؤكد أنه حتى إذا كانت "الأفيال" تتمتع بوزن اقتصادي كاف لتحمل حرب تجارية، فإنها لن تربحها، والجميع سيخسر.

لو تتبعنا بنظرة فاحصة تطورات الحرب التجارية وتشعباتها السياسية والاقتصادية، فسنجد أن الطبقية، أحد المتهمين الرئيسيين وراء إشعالها، حيث تقوم بتأجيج الصراعات الاقتصادية من وراء ستار، تماماً كما يحرك الممثل المسرحي عرائس الماريونت، أو

الدمى المتحركة، إذ يتحكم فيها كيفما يحلو له، وبعد انتهاء العرض يضعها في المخزن انتظاراً لجولة مقبلة، وتعتبر الطبقة الإدارية فاحشة الثراء والمهيمنة على صناعة القرار، المثال الأوضح على ذلك، وهي نخبة من بينها أكاديميون تحظى بدخل مرتفع وتسيطر على قرارات مصيرية، وعلى الضفة الأخرى من النهر توجد الطبقة العاملة، وبالرغم من أن الطبقتان تتصادمان حول قضايا من قبيل الهجرة والتجارة والبيئة والقيم الاجتماعية، إلا أن الطبقة الإدارية صاحبة اليد الطولي تسيطر على المؤسسات النافذة، والشركات، والجامعات، ووسائل الإعلام، مما يمكنها بسهولة من تمرير حروب ظاهرها الاقتصاد وباطنها تحقيق منافع شخصية.

مالم يتم تسوية المشاكسات الطبقية العالقة، عبر دمج الطبقة العاملة، الأكثر تضرراً، في صناعة القرار الاقتصادي، فإنه لا يمكن تجنب دورة حضارية مؤلمة بين حكم الأقلية الإدارية، والشعوبيين، وستتطور الحروب التجارية بشكل لا يضاهى في العقد المقبل، ومن ثم سيستمر الاقتصاد العالمي في دفع فاتورة باهظة للصراع الطبقي بين الأغنياء المترفين والفقراء المهمشين، وبدون تسوية مرضية للطرفين، فإنه لا يمكن تفسير الحرب التجارية المدمرة بين أمريكا

وأوروبا والصين، إلا في سياق الأمراض المحلية في الاقتصادات الكبرى، والنتيجة ستظهر في شكل اضطرابات تجارية هائلة، وركود اقتصادي، وتفاقم للديون، وأزمات مالية رهيبة، ونضوب للوظائف.

بطبيعة الحال، لا يمكن تحليل ما يحدث في اقتصاد دولة ما، بمعزل عن الدول الأخرى، فالحرب التجارية بين واشنطن وبكين على سبيل المثال أثرت على كل الدول المرتبطة باقتصاد القطبين الكبيرين في الشرق والغرب، حيث يمكن ملاحظة الآثار القاسية على الطبقة العاملة والصناعية دون استثناء تقريباً، كما أنه يمكن إرجاع أزمات منطقة اليورو، وانفجار فقاعة الديون في أمريكا والصين، إلى الخلل في توزيع الثروة، وربما يتطلب الأمر في منطقة اليورو إنشاء سلطة مركزية للمالية العامة قادرة على إعادة توزيع الموارد، وزيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية، أما في الصين، فسيتعين الانتهاء من تنفيذ خطة القضاء على الفقر المدقع والتي من المفترض أن تنتهي هذا العام، وترقية مكاسب الريفيين للاقتراب من مضاهاة نظرائهم في المناطق الحضرية.

 

خاص_الفابيتا