بعد تأكيد كل التقارير الدولية الصادرة خلال العام الجاري أن الاقتصاد العالمي سيواجه انكماشا حادا بسبب جائحة كورونا، وهذا الانكماش قد يتفاقم في الدول الخليجية نتيجة انخفاض أسعار النفط بنسبة فاقت 60 في المائة، ارتفعت وتيرة توصيات الخبراء بضرورة دراسة البدائل المتاحة لزيادة العوائد المالية، ومنها زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة أو فرض ضريبة الدخل، خاصة أن الدول الخليجية تعد من أقل دول العالم في معدلات الضرائب المفروضة.
تاريخيا، قامت المملكة بفرض ضريبة الدخل لأول مرة بعد صدور المرسوم الملكي رقم 17/2/28/3321 وتاريخ 21/2/1370هـ، وتبعه صدور المرسوم الملكي رقم 17/2/28/8634 وتاريخ 29/6/1370هـ القاضي باستيفاء الزكاة الشرعية بواقع 2.5 في المائة من الأفراد والشركات الذين يحملون الجنسية السعودية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وبناء عليه صدر القرار الوزاري رقم 393 وتاريخ 6/8/1370هـ متضمنا التعليمات الخاصة بتنظيم وتحقيق وتحصيل الزكاة من المكلفين بها شرعا من السعوديين، وتبعه مباشرة صدور القرار الوزاري رقم 394 وتاريخ 7/8/1370هـ القاضي بإنشاء مصلحة الزكاة والدخل. وعلى ضوئه صدر المرسوم الملكي رقم 37 وتاريخ 4/5/1395هـ الذي نص على إلغاء ضريبة الدخل.
أما الضريبة المفروضة على الشركات الأجنبية الوافدة، فهي تفرض فقط على الأرباح الصافية التى تحققها كل شركة غير سعودية تمارس أعمالها في المملكة، وتخضع لقرار مجلس الوزراء رقم 3 وتاريخ 5/1/1421هـ القاضي بتخفيضها من 35 في المائة إلى 20 في المائة مع تحمل الدولة الفارق في هذا التخفيض الذي يساوي 15 في المائة.
من المتعارف عليه دوليا أن الضريبة تعد فريضة مالية تحددها الدولة ويلتزم بأدائها كل مواطن ووافد دون تمييز لتتمكن الدولة من القيام بتحقيق أهداف مجتمعاتها. وتشمل هذه الضريبة 16 نوعا، من أهمها الضريبة الوحيدة والمتعددة، والضريبة على الأشخاص والأموال، والضريبة المباشرة وغير المباشرة، والضريبة على الثروة والدخل، والضريبة على الإنفاق، وضريبة القيمة المضافة.
وقبل فرض الضريبة، يقوم خبراء الدولة بإجراء دراسات عميقة حول تاريخ الضرائب والتزامات الدولة أمام المستثمرين الأجانب واتفاقاتها الدولية إلى جانب مدى قدرة هذه الضرائب على تأمين الهدف التنموي في الدولة المستهدفة.
ونظرا لأن المملكة تعد الدولة الوحيدة في منظمة التجارة العالمية التي تفرض الزكاة الشرعية والضريبة معا، فلقد أوضحت المملكة في وثائق انضمامها للمنظمة أن الفرق بين الزكاة الشرعية وضريبة الدخل يخضع لاعتبارات شرعية موثقة. فالزكاة ركن من أركان الإسلام وتفرض على الوعاء الزكوي للمكلف المواطن والمؤسسات والشركات الوطنية بنسبة محددة لا يمكن تغييرها، بينما تفرض الضريبة على صافي أرباح الشركات الأجنبية لتكون من ثمرة المال، ولا تكون من عوامل نقص أصله. لذا فإن هذه الضريبة تساوي 20 في المائة فقط من صافي الأرباح، بينما تصل نسبة الزكاة المفروضة بنسبة 2.5 في المائة على الوعاء الزكوي للمواطنين والشركات الوطنية المكون من رأس المال المدفوع بداية العام، وصافي الربح السنوي في نهاية العام، والأرباح المرحلة عن أعوام سابقة، إضافة إلى كل الاحتياطات والمخصصات والإعانات الحكومية المستلمة.
ونظرا لأن الهدف الرئيس للسياسة المالية في المملكة هو تشجيع النمو الاقتصادي وتنويع موارده وزيادة اندماجه في الاقتصاد العالمي، فلقد التزمت المملكة في وثائق انضمامها لمنظمة التجارة العالمية بتطبيق مبدأ المعاملة الوطنية دون تمييز بين المواطنين والوافدين، حيث لا تكون التعديلات المستقبلية للنظام الضريبي السعودي بعد الانضمام أقل مواتاة للأفراد والشركات الأجنبية أو أكثر تشددا عليها مما هو مطبق في المملكة قبل اكتساب العضوية. واعتمدت المملكة في مفاوضاتها مع دول المنظمة على تقارير الأنظمة الضريبية المفروضة في 185 دولة حول العالم، والصادرة عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية التي تؤكد أن المملكة تقع في المراتب العشرة الأولى كأقل دول العالم فرضا للضرائب، بينما تحتل معظم الدول الأعضاء في المنظمة المراتب الأولى كأكثر الدول فرضا للضرائب، ابتداء من دول الاتحاد الأوروبي، التي تفرضها بمعدل 42 في المائة، تليها تركيا بنسبة 38 في المائة، ثم اليابان وأمريكا بنسبة 32 في المائة لكل منهما، وكندا بنسبة 31 في المائة.
أما ضريبة القيمة المضافة، التي تعد اليوم أحدث أنواع الضرائب تطبيقا منذ بدء فرضها في العالم خلال عام 1954، فقد سارعت الدول إلى تطبيقها على السلع والخدمات بنسب متفاوتة وإحلالها محل ضريبة المبيعات نتيجة نجاحها في زيادة عائداتها إلى 20 في المائة من إجمالي العوائد الضريبية في كل أرجاء المعمورة، وارتفاع دخلها إلى 5 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي.
ولكونها من أكثر الضرائب ثباتا في مردودها وعدم تغيرها بتغير دخل الفرد أو ثروته، فإن ضريبة القيمة المضافة لاقت قبولا في كل الدول لأنها تفرض بالتساوي على المنتجات والخدمات التي يستهلكها الأفراد على مختلف مستوياتهم. كما أنها ضريبة غير مباشرة لأنها لا تجبى مباشرة من المستهلك، بل تستوفى من المؤسسات التي تبيع المنتجات والخدمات في كل مرحلة من مراحل التصنيع والتوزيع والاستهلاك. وهي ضريبة حيادية، فلا تؤثر سلبا في هيكلة الأسعار ولا تمس بالقواعد التنافسية التي تراعي الاقتصاد المحلي، بل تشمل إمكانية تخفيضها على المستثمرين أو خصم قيمتها لتحفيزهم على الاستثمار وجذب رؤوس أموالهم، ما يؤدي إلى تخفيض تكاليفهم وزيادة السيولة لمشاريعهم، إضافة إلى تشجيع صادراتهم بفضل إمكانية استعادتهم للضريبة المدفوعة لدى تصدير منتجاتهم وخدماتهم.
لذا لجأت المملكة عام 2017 إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة على السلع والخدمات، لتكون ضريبة على الاستهلاك فقط، باستثناء 94 سلعة غذائية وطبية، وثلاثة قطاعات خدمية رئيسة للرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم. ولمواجهة تداعيات جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط وتقليل وطأة الانكماش، قامت المملكة أخيرا بزيادة نسبة هذه الضريبة إلى 15 في المائة، ليصبح أثرها إيجابيا في ترشيد الاستهلاك وتخفيف الهدر وعدم تشويه الإنتاج وتخفيض التضخم.
نقلا عن الاقتصادية