فجرت جائحة كورونا شعوراً عالمياً جارفاً بخطورة الارتهان للهيمنة الصينية على سلاسل الإمدادات العالمية، خاصة بعد تعطلها عن العمل لعدة أشهر، ما أدى إلى توقف عدد من الشركات الكبرى سواء داخل الصين أو خارجها عن الإنتاج، الأمر الذي أثار تساؤلات حول جدوى الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية، وبالقطع فلن تكون مهمة العالم سهلة في الانعتاق من السيطرة المحرجة للتنين الصيني على مقدرات التصنيع وخاصة الاستراتيجية وباقي المواد الاستهلاكية والإنتاجية التي برع في بسط قبضته عليها لعدة أسباب في مقدمتها رخص تكلفة الأيدي العاملة، وتوافر الخدمات اللوجستية المرتبطة بعمليات الإنتاج والتوريد والنقل.
في الأسبوع الماضي، كان هناك حدثين لافتين في اتجاه تفكيك السيطرة الصينية على سلاسل الإمدادات، الأول محاولة الحكومة اليابانية لإغراء لشركاتها (حوالي 90 شركة) بمغادرة الصين والعودة إلى الوطن أو إلى جنوب شرق آسيا بشكل عام، مقابل تعويضات قياسية بنحو 2.2 مليار دولار، كجزء من برنامج جديد لتأمين
سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على التصنيع الصيني، أما الحدث الثاني فتضمن طلباً قدمته الحكومة البريطانية إلى نظيرتها اليابانية لإيجاد بدائل لعملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي" التي كانت من المفترض أن تطور شبكات الجيل الخامس في المملكة المتحدة، ومع هذا، فإن هدف تفكيك التركز الجغرافي لسلاسل التوريد، يتطلب فترة زمنية طويلة، نظراً للمميزات التنافسية الهائلة للمنتجات الصينية، ومناخ الأعمال المواتي، والبنية التحتية المتقدمة، والهيمنة بشكل لا يضاهى على سوق المعادن النادرة، بالإضافة إلى أن سلاسل التوريد الاحتكارية المعتصمة بحقوق الملكية الفكرية لا يمكن تجاوزها.
يتطلب تحرير سلاسل الإمدادات من قبضة التنين الصيني إجراء بعض أشكال التصحيح في الأسواق، حيث يتعين على الشركات والمنتجين بناء خرائط تفصيلية حول سلاسل التوريد المغذية لعملياتهم الإنتاجية، متضمنة ثلاثة عناصر أساسية، الأول إيجاد قواعد بيانات حول كامل حلقات سلسلة الموردين المرتبطين بالمنتج، والثاني استحداث قاعدة بيانات حول الموردين البديلين الذي يمكن الاعتماد عليهم في حالة تعرض حلقات سلسلة التوريد لمشكلة ما، بما يتضمنه ذلك من معلومات حول الميزات النسبية لكل
مورد، والأسعار، والمواصفات الفنية للمنتج، ومدد التوريد، والثالث بناء قاعدة بيانات حول التوزيع الجغرافي لسلاسل التوريد.
لكي يتم تفتيت الهيمنة الصينية دون خسائر فادحة، فإن الأمر يتطلب، وبشكل مرحلي، إعطاء وزن أكبر لعامل ضمان تدفق عمليات التوريد على حساب الأهمية النسبية لمتغير الأسعار في تحديد المنتجين لسلاسل التوريد المطلوبة، علماً بأن هذا التوجه العالمي سيواجه بصعوبات كبيرة، خاصة في حالة ارتفاع تكاليف الموردين البديلين، أو نقص الاشتراطات الفنية المطلوبة عن نظيرها الصيني، رخيص السعر عال الجودة، إلا أنه من المرجح أن يتطور هذا الاتجاه ليصبح شعار المرحلة المقبلة، بسبب حالة الاستقطاب السياسي والاقتصادي، وتحول الأمر إلى صراع إرادات بين واشنطن والغرب عموماً من جهة، وبكين من جهة أخرى.
في المقابل، سيمنح التخلِّي عن سلاسل التوريد الصينية، الفرصة لبعض الاقتصادات الناشئة للاستفادة من هذا التحوُّل، لكن مكاسبهم ستكون مرهونة بعاملين أساسيين وهما مدى توافر القدرة التنافسية للاقتصادات الناشئة في مواجهة التغول الصيني، واتخاذ المنتجين للقرار الصعب بالتحول بعيداً عن السوق الصينية، وبالرغم من
أن حجم التأثر الصيني سيظل موضع جدل، إلا أن العديد من العوامل لا تزال تعمل لمصلحة السوق الصينية، بالإضافة إلى أن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا التحول الدراماتيكي، حيث يتوقع أن تضع خططاً لمواجهة هذه السيناريو الذي سيؤثر على إيراداتها المالية، ومعدلات النمو، وديناميكية سوق العمل، حيث يتطلب الأمر توظيف 10 ملايين صيني على الأقل سنوياً لإبقاء معدلات البطالة منخفضة في مجتمع يقترب عدد سكانه من المليار ونصف المليار نسمة، الأمر الذي قد يستتبعه المزيد من الإجراءات الحكومية لدعم قدرة البلاد التنافسية في مرحلة ما بعد كورونا.
خاص_الفابيتا
يبدو ان الغرب تأخر كثيرا في استشعار الخطر ... اين كان الغرب منذ عشرين سنه كان خلالها اقتصاد التنين الصيني ينمو بمتواليه هندسيه كل سنه !!
شكرا يا د.خالد. فعلا الجائحة كشفت كم هو ضعيف الإقتصاد الأمريكي والأوربي والعالمي بإعتماده على الصين حتى لم يكن في مقدور تلك البلدان الصناعية العظمى توفير كمامات أو قفازات ناهيك بمتطلبات الصناعة المتقدمة في سلسلة الإمداد الذي أصبحت تحتكره الصين وإن كان المنتجون شركات أمريكية مستقرة بمصانعها هناك! مهما طال أمد التصحيح فلا بد أن يبدأ الغرب به وها قد رأينا توجه الأمريكان الى إندونيسيا كوجهة قوية بديلة للصين من حيث التسهيلات الحكومية المقدمة والأيدي العاملة الرخيصة وأتمنى مع حلول 2025 يكون أكثر من نصف المصانع الأمريكية والأوبية في الصين قد توجهت لخارجها والى بلدانها الأم لدعم التوظيف وتقليل أعداد البطالة المحلية فيها وكون جزء كبير من ذلك إستراتيجي يمس أمنها وتفوقها . من جهتنا كشعوب مستهلكة لا أعلم متى تتحقق الإصلاحات الإقتصادية الموعودة ( والتي ربما تحتاج الى مراجعة ناضجة وواعية للواقع ) وهل في ظل ظروفنا السياسية والإقتصادية نحن مؤهلون لتقديم شيئ لأنفسنا أولا وللإنسانية عموما ! أتمنى ذلك.
المفترض أن تقوم الدول بفرض تعرفات جمركية على الواردات في المجالات التي تملك تنافسية عالية بها وتدعم بهذه العوائد من التعرفات الصناعات المحلية لديها حتى تصبح قادرة على التصدير إلى الخارج ولكن الذي يعيق ذلك هو اتفاقيات التجارة ومنع الازدواج الضريبي أتمنى التحرر من تلك الاتفاقيات المقيدة أو تعديلها إن أمكن ذلك .