لم تتأثر أغلب مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي خلال الربع الأول من العام الجاري، بآثار انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، التي لم تبدأ في الاتساع إلا خلال الأسبوعين الأخيرين من الربع الأول، في الوقت الذي يتوقع أن تبدأ آثار تلك الجائحة في الإعلان عن حجمها وعمقها خلال الربع الثاني الماضي، وهو ما سيبدأ نشر بياناته تباعا طوال الأسابيع المقبلة.
وبالنظر إلى مؤشرات الأداء الاقتصادي محليا خلال الربع الأول 2020، فقد أظهر أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء تراجع النمو السنوي الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.0 في المائة، مقارنة بنموه 1.7 في المائة للربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بانخفاضه بنسبة 0.3 في المائة خلال الربع الرابع من 2019. بينما تمكن الناتج المحلي غير النفطي من تحقيق معدل نمو حقيقي إيجابي، مسجلا ارتفاعا بنسبة 1.6 في المائة، مقارنة بنموه 2.1 في المائة عن الربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بنموه 3.8 في المائة خلال الربع الأخير من 2019. وتضمن هذا القطاع من الاقتصاد تمكن القطاع الخاص من النمو بمعدل سنوي 1.4 في المائة، مقارنة بنموه 2.3 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بنموه 5.2 في المائة خلال الربع الأخير من 2019.
وعلى المستوى الهيكلي للاقتصاد الوطني، لم يتمكن إلا نشاط الخدمات من تحقيق معدل نمو إيجابي خلال الربع الأول 2020، وصل به إلى نحو 2.5 في المائة، مقارنة بنموه 2.9 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بنموه 4.5 في المائة خلال الربع الأخير من 2019. في المقابل، سجل نشاطا الزراعة والصناعة تراجعا سنويا خلال الربع الأول 2020، بلغ 0.3 في المائة للزراعة ونحو 3.7 في المائة للصناعة، مقارنة بارتفاع الزراعة 0.7 في المائة والصناعة 0.8 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، وكان نشاط الزراعة قد سجل نموا بنحو 1.6 في المائة، مقابل تراجعه للصناعة بنحو 4.0 في المائة خلال الربع الأخير من 2019.
أما على مستوى تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، فقد سجل تنويع قاعدة الإنتاج تراجعا طفيفا خلال الربع الأول 2020 إلى نحو 11.5 في المائة، مقارنة بنحو 12.1 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بنحو 12.0 في المائة خلال الربع الرابع من 2019. وحدثت التطورات ذاتها لتنويع قاعدة الإنتاج "دون تكرير الزيت"، التي تراجعت إلى 8.1 في المائة خلال الربع الأول 2020، مقارنة بنحو 8.5 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، ومقارنة بنحو 8.4 في المائة خلال الربع الرابع من 2019.
وعلى مستوى سوق العمل خلال الربع الأول 2020، فقد سجل معدل البطالة لدى المواطنين تراجعا إلى 11.8 في المائة "5.6 في المائة للذكور، 28.2 في المائة للإناث"، مقارنة بنحو 12.5 في المائة "6.6 في المائة للذكور، 31.7 في المائة للإناث" خلال الربع نفسه من العام الماضي. وكان لافتا أن توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص خلال الربع الأول 2020، سجل نموه ربع السنوي الأول منذ الربع الثالث 2018 بنحو 1.0 في المائة، الذي جاء نتيجة النمو السنوي المرتفع للإناث بنحو 5.1 في المائة، مقارنة بانخفاضه السنوي للربع السادس على التوالي للذكور بنحو 0.9 في المائة. ووفقا لبيانات الربع الأول 2020، فقد استقر إجمالي عدد العمالة الوطنية في القطاع الحكومي بنهاية الربع عند 1.49 مليون عامل "921 ألفا ذكور، 565.3 ألف إناث"، وفي القطاع الخاص عند أعلى من 1.17 مليون عامل "1.1 مليون ذكور، 571.5 ألف إناث"، ليصل الإجمالي إلى 3.2 مليون عامل "2.1 مليون ذكور، 1.1 مليون إناث"، مقابل 6.8 مليون عامل وافد "6.5 مليون ذكور، 279 ألف إناث"، توزعوا بين 102.2 ألف عامل "64 ألفا ذكور، 38.3 ألف إناث" في القطاع الحكومي، ونحو 6.7 مليون عامل "6.4 مليون ذكور، 240.7 ألف إناث" في القطاع الخاص.
ومما ظهر لافتا للانتباه في البيانات الأحدث لسوق العمل خلال الربع الأول 2020، النمو ربع السنوي القياسي للعمالة الوافدة في القطاع الحكومي، الذي جاء الأعلى في منظور أكثر من ثلاثة عقود زمنية مضت! حيث سجلت نموا سنويا مرتفعا جدا وصل إلى 28.4 في المائة، جاء زخمه الأكبر من نمو العمالة الوافدة الذكور بنسبة بلغت 32.2 في المائة "بلغ متوسط نموهم السنوي خلال 1999 ــ 2020 نحو 5.7 في المائة"، وبالبحث في المصدر الأكبر لهذا النمو غير المسبوق في العمالة الوافدة لدى القطاع الحكومي، يتبين أن مصدره الرئيس جاء من الوظائف لدى الهيئات والمؤسسات الحكومية على وجه الخصوص، التي سجلت أعداد العمالة الوافدة لديها نموا سنويا بلغ 77.6 في المائة "73.4 في المائة للذكور، 88.8 في المائة للإناث"، الأمر الذي يدعو بالضرورة القصوى إلى البحث والتقصي والتدخل من قبل وزارة الموارد البشرية، والعمل بشكل دؤوب على إعادة التوطين بصورة حازمة إلى الوضع الواجب أن يكون عليه لدى تلك الهيئات والمؤسسات الحكومية، خاصة خلال الفترة الراهنة التي تحمل كثيرا من التحديات الجسيمة أمام جهود التوطين، الهادفة إلى إخماد معدلات البطالة بين المواطنين إلى أدنى مستوياتها، وهو ما يتطلب تفصيل الحديث عنه بشكل أكثر توسعا في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.
وعلى مستوى التعاملات الخارجية للاقتصاد الوطني، فقد سجل إجمالي الصادرات انخفاضا سنويا بلغت نسبته 20.7 في المائة "197.8 مليار ريال"، مقارنة بنموه ربع السنوي خلال الربع المماثل له من 2019 البالغ 1.8 في المائة "249.4 مليار ريال" بنهاية 2018، وجاء الانخفاض بنسبة أكبر على حساب الصادرات النفطية بمعدل 21.9 في المائة "149.9 مليار ريال"، مقارنة بارتفاعها 2.3 في المائة خلال الربع الأول 2019 "192 مليار ريال"، بينما انخفضت الصادرات غير النفطية خلال الربع نفسه بنسبة 16.5 في المائة "47.9 مليار ريال"، مقارنة بارتفاعها الطفيف جدا خلال الربع نفسه من 2019 بنسبة 0.3 في المائة "57.3 مليار ريال". كما انخفض حجم الواردات بنسبة 4.4 في المائة "124.1 مليار ريال"، مقارنة بارتفاعه بنحو 3.9 في المائة "129.8 مليار ريال" خلال الربع نفسه من العام الماضي، تراجع على أثره فائض الحساب الجاري إلى 18.8 مليار ريال "2.7 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي"، مقارنة بنحو 51.7 مليار ريال "7.2 في المائة " إلى الناتج المحلي الإجمالي" خلال الربع الأول 2019، وتراجع أيضا فائض الميزان التجاري خلال الربع الأول 2020 إلى 73.7 مليار ريال "10.6 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي"، مقارنة بأعلى من 119.5 مليار ريال "16.6 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي" خلال الربع نفسه من العام الماضي.
وخلال العام الجاري الذي حمل معه أكبر تحديات واجهها الاقتصاد العالمي منذ فترة الكساد الكبير، يتوقع أن تبدأ انعكاسات آثارها على الاقتصاد الوطني بدءا من مؤشرات الربع الثاني الماضي، التي تزامنت مع العمل بعديد من المبادرات والتدابير الحكومية الواسعة، تجاوزت فاتورتها حتى تاريخه سقف 2017 مليار ريال، استهدافا لتخفيف حدة تلك الآثار، ويتوقع استمرار ارتفاع تكاليف تلك المبادرات حتى نهاية العام الجاري، بعد أن صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - باستمرار العمل بها.
نقلا عن الاقتصادية