تتطلب حماية مقدرات البلاد والعباد من الفساد، ومن آثاره الوخيمة التي لا حصر لها الناتجة عن ارتكاب أشكاله المختلفة من المتورطين فيه، بذل جهود مستمرة لا تتوقف عند أي حد معين، وأن تتسع منظومة عملها المتكاملة لتضم مشاركة الجميع من أجهزة حكومية وقطاع خاص ومواطنين ومقيمين، أخذا في الحسبان حدود مسؤولية كل طرف من تلك الأطراف، وألا تتجاوزها إلى ما قد يوقع أي متجاوز لتلك الحدود في مخالفات أخرى، تفوق بمخاطرها وآثارها المخاطر الناجمة عن مخالفة الفساد المعنية.
بالاتفاق على هذا الإطار العام، فإنه يجب تأكيد توفير الحماية اللازمة للأفراد من مواطنين ومقيمين، الذين يبادرون من منطلق مسؤوليتهم الملقاة على عواتقهم بالإبلاغ عن أي عمليات، يشتبه في أن تندرج ضمن ممارسات فساد مخالفة، وهو الأمر الذي لا تقل أهميته القصوى عن أهمية إيقاع العقوبات على المتورطين المبلغ عنهم، إن لم تكن بمعنى آخر أعلى أهمية! ذلك أنه الجانب المرتبط بحماية الجهود الأوسع والأكبر لمكافحة الفساد والعمل على القضاء عليه، وكونه السلاح الذي يتسلح به المتنفذون المتورطون في أي من جرائم الفساد بأشكاله كافة، خاصة تلك الجرائم التي تصنف على أنها كبرى، ويقف خلفها أشخاص في مناصب عليا أو في مواقع اجتماعية عالية ومهمة.
كان من أهم ما أكدته هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في هذا الخصوص، أن الهيئة تبذل قصارى جهدها للوفاء بهذا المطلب المهم جدا، وأن النجاح فيه يعني حماية المشروع الوطني بأكمله للتصدي للفساد والقضاء عليه، إدراكا منها أن من أخطر ما سينتج عنه إغفال هذا الجانب الأهم في منظومة محاربة الفساد، ممثلا في عدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمبلغين عن أي جرائم فساد، أنه سيؤدي إلى إيجاد ثقافة مجتمعية بالغة الخطورة، عنوانها الرئيس أن الفساد أقوى وأعلى من الأنظمة السارية في تلك الدولة! وهو ما يشكل تهديدا صريحا لعمل الهيئة ولقدرتها على الوفاء بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، عدا ما يتجاوزه ذلك إلى تهديد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
ولن يقف الأمر عند هذا الحد من الخطورة فحسب، بل يمتد بعد انتشار تلك الثقافة المدمرة بسيادة أرباب الفساد على ما سواهم من الأطراف، إلى انهزام الجميع في وجه انتشارهم وتفشي ممارساتهم المخالفة، لتجد الجميع في أي مواقع من مواقع المسؤولية مستسلما لنفوذهم غير المشروع، وأن أي موظف أو مسؤول قد يتقاطع في عمله أو موقعه الوظيفي مع أي مصلحة ترتبط بتلك الجهات المتنفذة - في ظل هذه المعطيات -، سيكون في موقع ضعيف جدا لا يؤهله من قريب أو بعيد لرفض تمرير تلك المخالفات، وأنه إن لم يقبل الرشوة (الترغيب)، فلا شك أنه واقع لا محالة في ورطة العقاب الانتقامي منه (الترهيب)! كل هذا وضعته هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أمام عينيها، مدركة تمام الإدراك ماذا يحمله انتشار وسيطرة مثل هذه الثقافة على أي مجتمع كان؟ إنها السيطرة الأخطر للثقافة الآثمة للفساد، التي متى ما تمكنت من السيطرة وبسط النفوذ، فلا توجد نتيجة أخرى تنتظرها تلك الدولة والمجتمع المبتلى بها غير السقوط في الهاوية والهلاك.
لهذا عملت الهيئة طوال العامين الأخيرين على ترسيخ العكس تماما، مؤكدة في مناسبات عديدة أن حياة ومصالح المبلغ عن أي ممارسات يشتبه في فسادها، تعد ضمن أهم أولوياتها القصوى، وهو الأمر الذي ترمي من ورائه، عدا تحقيق الحماية اللازمة للشخص المبلغ، إلى أنها تستهدف تمكين ثقافة محاربة الفساد من السيطرة على الجميع دون استثناء، وأن محاربة هذا العدو الغادر وأي متورط فيه كائنا من كان، هي الثقافة التي يجب أن تسود، ليتحول الأمر برمته على العكس مما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فيصبح المتورط في أي ممارسات فاسدة، أو من قد تسول له نفسه الأمارة بالسوء ارتكاب أي من تلك الممارسات في حالة من الخوف والهلع، وأن الإيقاع به والقبض عليه ومعاقبته ليست سوى مسألة وقت! لتنتقل بهذا جهود محاربة الفساد من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة والهجوم، وهو المكسب الكبير جدا الذي متى ما تحقق بصورة كاملة في المجتمع، فإن المجتمع بهذا المكسب المهم جدا قد أصبح ممتلكا للمناعة اللازمة لردع أي شكل من أشكال الفساد الذي ما زال في طور التشكل أو ضمن مرحلة التخطيط والتدبير!
ختاما، تشير المنجزات المتتالية لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، إلى أننا ولله الحمد في الطريق الصحيح، ومنجزا بعد منجز في هذا الشأن التنموي المهم، سنجد أن جهود الإصلاح ومحاربة الفساد ستثمر - بمشيئة الله تعالى وتوفيقه - عن تنقية بيئة الأعمال المحلية وتطهيرها من كثير من الآفات، التي تشكلت وجاءت نتيجة وجود واتساع الفساد، وتحولها من ثم إلى بيئة أكثر تنافسية، تتخلص من أشكال الاحتكار وعدم المنافسة، وتصبح الفرص متاحة وفي عدالة تامة أمام جميع الأفراد دون تمييز، وتتخلص من الحظوة غير العادلة التي طالما حظي بها أفراد دون حق مشروع على حساب آخرين أحق منهم، إضافة إلى زيادة اجتذاب الأموال والثروات الوطنية نحو الاستثمار والتشغيل والإنتاج، على عكس ما كانت عليه سابقا من زيادة توجهها نحو شراء وبيع مجرد أراض قفار دون أي تطوير أو استخدام، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إيجاد مئات الآلاف من الوظائف وفرص العمل الكريمة أمام المواطنين والمواطنات، ويسهم بدوره في زيادة تحسن مستويات معيشتهم، ويحصن بذلك الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام.
نقلا عن الاقتصادية
يقولُ الحقُّ سبحانه وتعالى في سورة الفجر - الآية 20: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) وهي تؤكدُ إشارتين: 1) حبُ الإنسان للمال هو من الفطرة.. 2) ولكن حب المال الشديد يدخل الإنسان في المعاصي مثل معاصي عدم إكرام اليتيم وحسن معاملته وعدم الحث على إطعام المسكين وأكل حقوق الأقارب في الميراث .. وهذه المعاصي قد توجب العقاب الإلهي والعياذ بالله.. ويقول أيضاً في سورة الكهف - الآية 46: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) فالمال من زينة الحياة الدنيا وهو قبل البنون.. ولكن الأعمال الصالحة هي الأفضل والأبقى !!!.. والمال الحرام هو احد أنواع الفساد ويتواجد في القطاعين العام غالباً كبداية والخاص لدفع الضرر والحصول على حقوقه !!!.. بل أن البعض لا يرى ضرراً في الإعتداء على المال العام (بيت مال المسلمين) لأنه ليس له مالك أو صاحب وهذا عكس حقيقته أنه مُلك جميع المسلمين.. فذا كان الحد الشرعي لسرقة مال أحاد المسلمين وتكراره هو قطع اليد.. فما بالك بسرقة مال جميع المسلمين من البعض المكنفين معيشةً !!!.. وسرقة بيت مال المسلمين أزدادت بفتوى ضالة في بداية الدولة الأموية لإضعافها !!!.. والمطلوب الأن من علمائنا الأفاضل إصدار فتوى بتحريم الاعتداء على بيت مال المسلمين وتحديد ، إن أمكن ، العقوبة الشرعية لهذا العمل الشنيع... والله المستعان.