مضاعفة الضريبة والخيار الأقل ألماً

02/07/2020 12
طلعت بن زكي حافظ

بالأمس دخل تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالنسبة الجديدة حيز التنفيذ في المملكة، بعد أن قررت الحكومة مضاعفتها برفعها إلى 15 % من 5 % على كافة السلع والخدمات الخاضعة لهذا النوع من الضريبة.

الحكومة لجأت لاتخاذ قرار رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى جانب قرارات تقشفية أخرى، مثل تأجيل تنفيذ بعضاً من المشاريع الحكومية أو تعديل مسارها، بما في ذلك إلغاء بدل غلاء المعيشة الشهري عن كافة العاملين بأجهزة الدولة وغيرها بغرض سد الفجوة الكبيرة والعريضة جداً التي من المتوقع لها أن تحدث بين الإيرادات والنفقات العامة للدولة خلال العام الحالي ولربما في الأعوام القادمة في حال لا سمح الله استمرار جائحة ف يروس كورونا (كوفيد-19)، والتي تسببت في انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية وانكماش غير مسبوق في العصر الحديث في أداء الاقتصاد العالمي، والذي بدوره انعكس على اقتصاد المملكة، وبالتحديد على جانبي الإيرادات (بشقيها النفطي وغير النفطي) والنفقات العامة للدولة.

أحدث قرار رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة جدل مجتمعي واسع النطاق على مستوى المحللين الماليين والاقتصاديين، وبالذات حول مدى تأثير الرفع للضريبة على دخول المستهلكين للسلع والخدمات الخاضعة للضريبة، بما في ذلك القوة الشرائية وما قد يتسبب فيه الرفع من ضغوط تضخمية في الأسعار، والذي بدوره قد ينعكس سلباً على قطاع المنشآت والشركات والمؤسسات بأنواعها، وبالذات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر منها نتيجة للتباطؤ المحتمل في الطلب على السلع والخدمات وشراؤها المتأثرة بالقرار.

دون أدنى شك وبوضوح إن اتخاذ أي حكومة سواء الحكومة السعودية أو غيرها من الحكومات لأي قرار يمس دخول المواطنين أو المستهلكين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لن يكون مرضياً للجميع وسيتسبب في امتعاضهم، سيما وأن قرار مضاعفة نسبة ضريبة القيمة المضافة قد تزامن مع قرار إلغاء بدل غلاء المعيشة، الذي أصبح يمثل لبعض الدخول، وبالذات الصغيرة والمتوسطة والمحدودة جداً منها دخل إضافي يُعد ويعتبر في حكم الدخل الدائم والمستمر.

ولكن على الجانب الآخر ومن باب العدل والإنصاف للدولة وللقرار، كان من الممكن جداً للحكومة أن تلجأ لا تخاذ قرارات أكثر آلماً وأكثر وجعاً للمواطن ولربما للمقيم أيضاً، مثل تخفيض أعداد الموظفين بالأجهزة الحكومية من مواطنين ومقيمين بتسريحهم من وظائفهم، أو تخفيض الرواتب وتجميد العلاوات والترقيات وإلى غير ذلك من الإجراءات التقشفية الأكثر صرامة.

ولعله من المهم جداً الإشارة إلى أنه رغم رفع نسبة الضريبة إلى 15%، فهي لا تزال من بين أقل النسب على مستوى دول العالم، حيث على سبيل المثال ببعض الدول الأوربية قد تصل إلى 25% كدول مثل النرويج، والسويد، والدنمارك، والتي تُعد دول غنية من ناحية الموارد النفطية وغير النفطية، كمورد السياحية مثلاً وغيرها.

كما ويجب كذلك الإشارة إلى أن المملكة قد استثنت من تطبيق الضريبة على شريحة واسعة وعريضة جداً من السلع والخدمات للتخفيف من عبئها المالي على المستهلك في السعودية وعلى دخله أيضاً، حيث على سبيل المثل، استثنت الحكومة فرض الضريبة على خدمات التعليم الخاص والرعاية الصحية، هذا بالإضافة إلى تحمل الدولة للضريبة عن المواطنين من قيمة المسكن الأول وبحد أقصى 850 ألف ريال من القيمة.

ومن بين الحلول التي تساءل عنها البعض بعدم لجوء الدولة إليها، باعتبار أن السعودية دولة تمتلك لاحتياطيات سيادية كبيرة وضخمة جداً (الثالثة من حيث الترتيب على مستوى العالم) بالعملة الأجنبية وأيضاً بالعملة المحلية، كما وأن لديها القدرة على الاقتراض محلياً ودولياً، فلماذا الدولة لجأت إلى أبسط الحلول؟

الأمر قد يبدو سهلاً وبسيطاً جداً للجوء لتلك الحلول، رغم أن الدولة قد لجأت إليها، ولكن ليس بتلك البساطة أن تستمر الدولة في السحب من الاحتياطيات والتوسع في الاستدانة، نظراً لما سيترتب عنه من نتائج اقتصادية ومالية وخيمة قد لا تُحمد عقباها سواء على قوة ومتانة الاقتصاد الوطني أم على قوة ومتانة العملة الوطنية. كما أن استمرار الدولة وتوسعها في الاستدانة، قد يكون له مردود سلبي على تكلفة التمويل والسيولة المحلية، وبالذات بوصول أسواق الدين العالمية لحالة من التشبع بأدوات الدين السعودي.

ولعلي لا أجد ما أختم به المقال أفضل من المادة العشرين من النظام الأساسي للحكم تحت الباب رابعاً (المبادئ الاقتصادية) والتي نصت على أن "لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة، وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها، أو تعديلها، أو إلغاؤها، أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام".

 

نقلا عن الرياض