اتخذت خلال الفترة القريبة الماضية، عديد من الإصلاحات المالية اللازمة في مواجهة تداعيات انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، كإعادة تحديد ضريبة القيمة المضافة الأساسية، وإيقاف بدل غلاء المعيشة، الذي تحملت الدولة - أيدها الله - صرفه طوال 28 شهرا مضت منذ مطلع 2018، وهي التدابير التي كان لا بد من اتخاذها كأقل الإجراءات اللازمة في مواجهة تداعيات هذه الأزمة العالمية، التي ألقت بظلالها القاتمة على جميع الاقتصادات حول العالم دون استثناء، مستهدفة المحافظة على استقرار ومتانة الاقتصاد الوطني، وضمان استمرار ملاءة المالية العامة عند مستويات تقييم عالية، والمحافظة على الاحتياطيات العامة للدولة، وحماية الاقتصاد الوطني من ارتفاع العجز المالي وزيادة الدين الحكومي العام، الذي يشهد العالم اليوم تحوله إلى أزمات أخرى أكثر قساوة في كثير من الدول المتقدمة والصناعية، قبل الدول الأخرى الأقل تقدما التي تقف خلال الفترة الراهنة على أبواب صندوق النقد والبنك الدوليين طلبا للعون والإنقاذ.
على الرغم مما قد يراه البعض أو يلمسه من بعض الانعكاسات غير المواتية خلال الأجل القصير، إلا أنها قياسا على كثير من الاعتبارات البالغة الأهمية، تظل أدنى بكثير من التداعيات الأكثر قساوة بما لا مجال للمقارنة معها التي حدثت في كثير من الاقتصادات حول العالم، في الوقت ذاته الذي ما زال اقتصادنا الوطني يمتلك كثيرا من الخيارات المتاحة للتعامل مع آثار انتشار هذه الجائحة العالمية، بل تجاوزتها إلى انتهاز ما يمكن اقتناصه من الفرص الاستثمارية المجدية حول العالم، لم يكن بالإمكان اقتناصها بتلك التكاليف في أوقات سابقة، وسرعان ما ستتحول - بمشيئة الله - في المستقبل القريب المنظور إلى ركائز داعمة للدخل.
من جانب آخر، يدرك المراقب المتبصر للتطورات الراهنة، أن التدابير الجاري تنفيذها وما قد يزمع العمل به إذا تطلب الأمر ذلك، أنها إجراءات لازمة ولا بد من اتخاذها منعا لما هو أكثر صعوبة وتعقيدا - لا قدر الله، في حال تم تجاهل المخاطر الكبيرة الماثلة أمام الاقتصاد العالمي دون استثناء، وأن حسن التصرف والتعامل مع أي من تلك المخاطر بعقل رشيد، واستباقه بأعلى درجات الاستعداد والتأهب اللازم والكافي على المستويات كافة، تؤكد التجارب التاريخية لجميع المجتمعات والاقتصادات، أن ذلك كان من أهم الإجراءات التي صنعت الفوارق الكبيرة بين دول العالم واقتصاداته، ولهذا يرى العالم المعاصر اليوم دولا تفوقت ولا تزال تحافظ على تفوقها الاقتصادي المرموق، ويرى أيضا دولا أخرى لا تزال تعيش عصورا متأخرة جدا على مختلف المستويات والأصعدة، والأصعب من كل ذلك أنها عالة على بقية الدول والمنظمات الدولية، لا ولم تنفك من الإدمان على الإعانات الدولية، ما إن تخرج من أزمة اقتصادية أو مالية إلا سرعان ما تدخل في أزمة أشد سوءا من سابقتها.
إنها التطورات الأكثر إيلاما لجميع الاقتصادات حول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تكون بالنسبة إلى بعض الاقتصادات الأكثر ألما منذ الكساد الكبير، التي استدعت حكومات العالم إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة، مستندة كل دولة في أرضية إجراءاتها المتخذة إلى طبيعة اقتصادها بالدرجة الأولى، وإلى الآثار والتداعيات التي اصطدمت بها، ووفقا لطبيعة اقتصادنا الوطني الذي لم يصل بعد إلى هدفه الاستراتيجي المنشود بالاستقلال التام عن النفط، ونظرا للاعتماد الكبير على الحكومة والمالية العامة في الدفع بالنمو الاقتصادي، وعدم وصول القطاع الخاص بعد إلى دوره المستهدف له، رأت المالية العامة أن الخيارات الأنسب للمحافظة على احتياطياتها واستقرارها المالي، تنطلق من خفض حجم المصروفات من جانب، والعمل على رفع الإيرادات غير النفطية من جانب آخر، وهي الخيارات المرحلية المتوافقة مع متطلبات مواجهة تداعيات انتشار هذه الجائحة العالمية، التي لم يظهر لها حتى تاريخه أي أفق لنهايتها.
وهي أيضا الخيارات التي رغم آثارها على الجميع دون استثناء، إلا أنها تعد أدنى ألما بدرجة كبيرة مقارنة بالنهاية الحتمية للاستمرار على السياسات نفسها المعتادة سابقا، خلال فترات زمنية خلت من مثل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، التي قد تصل بنا إلى نهايات غير محمودة على الإطلاق، تتجاوز آلامها كثيرا أي آلام مرحلية قد يشهدها الاقتصاد الوطني والمجتمع خلال الأجلين القصير والمتوسط، ويؤمل بمشيئة الله تعالى أن ننجح جميعا في تجاوزها بأقل الخسائر والتكاليف، وهو الأمر الذي استقر الوعي به لدى أغلب شرائح المجتمع السعودي بحمد الله، كدليل ساطع على قوة الانتماء والوطنية والتضامن، وكإحدى أهم ركائز القوة المجتمعية التي طالما تميز بها مجتمعنا المخلص لدينه وقيادته ووطنه.
نقلا عن الاقتصادية
بربره فاضيه كلها مغالطات