اختبار عسير تخوضه الاقتصادات العالمية في ظل نذر باندلاع الموجة الثانية من فيروس كورونا، ففي الصين، موطن الوباء القاتل، بدأت معاناة جديدة مع انتشار لحالات العدوى، مما دفع بالمدارس والأندية الرياضية ومراكز التسوق والمتاجر الكبرى صوب جولة أخرى من الإغلاق الإجباري، في الوقت الذي يتزايد فيه انتقال العدوى في بلاد العم سام، وسط عزوف الأمريكيين بشكل عام عن ارتداء الكمامات والالتزام بضوابط التباعد الاجتماعي، وهو ما ظهر جلياً خلال التظاهرات الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد، فلا كمامات ولا تباعد.
رغم استحالة العودة لسيناريو إغلاق الاقتصاد مرة ثانية على اعتبار أنه خياراً غير قابل للتطبيق، فمن الصعب جداً إقناع الناس بالعودة إلى الحجر المنزلي من جديد، خصوصاً أنّنا في فصل الصيف والناس معتادون النقاهة في هذه الفترة، لا سيّما وأنّ الكثيرين حول العالم حُرموا اقتصادياً، إلا أن الحقيقة القاسية هي أن الموجة الثانية من عمليات الإغلاق قد تكون أكثر ضرراً من الأولى،
والأرجح أن يواجه القطاع الصحي خلالها ضغطاً أكبر، مع توافر خبرات التعامل مع الفيروس المميت.
رغم إيجابية الوضع بشكل عام، تشير الوقائع الراهنة إلى أن الوباء القاتل لم يرحل نهائياً، وهو ما أدى إلى تفجير موجة بيعيه في البورصات العالمية، بفعل حالة الفزع التي تسيطر على قاعات التداول من بكين إلى فلوريدا، حيث تتحرك الأسواق وسط موجات من الخوف والطمع، ويبدو أنه بعد أن تمتع الطمع بفترة طويلة من الصعود، بدأ الخوف في الظهور مجدداً، مع تفضيل المستثمرين للأصول الآمنة كالذهب والسندات الأكثر أماناً من الأسهم عن حيازة الكاش في الوقت الحالي.
لكن السيناريو الأخطر، هو هيمنة المضاربين على حركة التداولات في الأسواق العالمية، حيث تعود هؤلاء المضاربين على مغادرة السوق في أي لحظة يتيقنون فيها أنهم حققوا ما يكفي من الأرباح، وقد يخرجوا من الأسواق في عطلة قصيرة منتظرين فرصاً أخرى، أو أنهم سيغادرون مع أول إشارة سلبية أو مقلقة في الأسواق، ومع ذلك، يبدو أن هؤلاء المضاربين نجحوا بأموالهم الساخنة والسريعة في خلق زخم على الطلب
المتباطئ، رغم حالة الغموض وعدم اليقين، وضعف شهية المستثمرين على المخاطرة.
مع اندلاع موجة ثانية من الوباء، ستصبح التوقعات بشأن سوق النفط على المدى القصير أكثر قتامة بسبب ضعف البيانات الاقتصادية وتقهقر الطلب العالمي، فيما يحاول المتداولون تجاهل الأخبار السيئة، والتركيز على الأنباء الإيجابية مثل انخفاض إنتاج الخام الصخري في الولايات المتحدة ونجاح اتفاق خفض الإنتاج من جانب تحالف "أوبك+".
يقيناً، فإن قوة الاقتصاد العالمي لا تتوقف فقط على حزم التحفيز المالي، وإعادة فتح القطاعات الاقتصادية، والإعفاءات الضريبية للشركات المتضررة، ولكنها تتعدى أيضاً إلى ضرورة التمسك بتدابير الصحة العامة، بما فيها ارتداء الكمامات الطبية على نطاق واسع والالتزام بقيود التباعد الاجتماعي، والتعجيل باكتشاف علاج ناجح ينهي المأساة الراهنة، وهذه الأمور مجتمعة ستؤدي إلى سرعة تعافي الأسواق العالمية.
خاص_الفابيتا
يارب رحماك بالبشرية جميعا .