صدر تقرير عن KPMG في المملكة يحلل موضوع ادخار الأسر Households في المملكة، إذ تعرف الأسرة بأنها وحدة عائلية تعيش في مسكن واحد طبقا لتعريف هيئة الإحصاءات العامة. الادخار هو الوجه الآخر للاستثمار الذي بدوره "مأكنة" النمو الاقتصادي. لذلك هناك علاقة مهمة بين حالة الادخار ومستواه والتوجهات الاستثمارية في الاقتصاد والتكوين الرأسمالي. التقرير يتعامل في الأساس مع ادخار الوحدات العائلية، لكن موضوع الادخار يشمل الشركات والقطاع الحكومي. يعتمد التقرير على معلومات هيئة الإحصاءات العامة التي تصدر كل خمسة أعوام آخرها صدر في 2018 ومادته مسح عينة تبلغ نحو 25 ألف وحدة لموضوع معقد، خاصة أن التقرير شدد في أكثر من ناحية على نقص الوعي المالي في المجتمع كأحد أسباب انخفاض نسبة الادخار.
رغم هذا التحدي إلا أن التقرير خطوة نحو الأمام في التوجهات التحليلية لمواضيع مهمة داخلية، لكن الرصد المعلوماتي اعتمد كليا على مسح إحصائي من قبل هيئة الإحصاءات العامة. متوسط مبلغ الادخار لكل وحدة أسرية يصل 239 ريالا شهريا مع تفاوت في المناطق الإدارية فهي الأعلى في القصيم والأقل في نجران، بينما الشرقية الأعلى دخلا وتبوك الأقل، علما أن الفروق ليست عالية ربما لأن الأغلبية تعمل في القطاع العام. ربما من أهم الأرقام في التقرير انخفاض نسبة الادخار من 25.3 في المائة إلى 2.4 إلى 1.6 في الأعوام 2007 و2013 و2018 تباعا. كما أن الادخار في المملكة قليل مقارنة بدول مجموعة العشرين من الدخل القابل للتصرف disposableincome. ذكر التقرير أيضا أن الادخار أعلى لدى الرجال من النساء، ربما أحد أسباب انخفاض نسبة الادخار ارتفاع توظيف النساء في الأعوام القليلة الماضية، وبالتالي ربما نزعة أكثر للاستهلاك.
الادخار ضروري ومعقد مجتمعيا لأنه يخضع لعدة اعتبارات اجتماعية ومالية واقتصادية. فهناك مجتمعات عالية الادخار وهناك مجتمعات عالية النزعة الاستهلاكية وهذه النزعات تتغير بدورها حسب الظروف الموضوعية والفئة العمرية والسياسات العامة في الدول. ذكر التقرير أيضا محاولة المملكة رفع نسبة الادخار طبقا لأهداف برنامج تطوير القطاع المالي إذ يهدف لرفع نسبة الادخار من 2.4 في المائة في 2013 إلى 7.5 في المائة في 2020 "لن نحصل على النتيجة هذا العام لأن المسح المقبل في عام 2023"، إذ إن هذه إحدى فرص التحسين، حيث لا بد من معلومات إحصائية أكثر شمولية وفي فترات أقصر بكثير لتكوين قاعدة معلوماتية كافية للرصد والتحليل.
يعول التقرير على تجارب الاقتصاد السلوكي كوسيلة لرفع نسبة الادخار حين ذكر بعض التجارب العالمية. اتفق أن الاقتصاد السلوكي لم يوظف كآلية خاصة في ظل قلة الوعي المالي في المجتمع. لذلك هناك حاجة إلى بعض التجريب، فمثلا ممكن أن كل عقد توظيف يتضمن توفير 5 في المائة "تستثمر في سندات حكومية تعتمد في عوائدها على النسبة الاسمية إضافة إلى نسبة تعادل نسبة التضخم لجذب وتحفيز المواطنين على التوفير - تجربة جديدة في إصدار السندات الحكومية توظف لهذا الغرض فقط" مع الحق لمن لا يريد الاشتراك في البرنامج. هناك تجارب جيدة في بعض الشركات الوطنية مثل "سابك" و"أرامكو" يستحسن نشرها لمزيد من الوعي. مع الضريبة المضافة وصعوبة تغير التصرفات العامة في ظل الهجمة الاستهلاكية عالميا ربما نحتاج إلى مزيج من السياسات، فمثلا بما أن دخل الحكومة هو المشكل الأساس في الاقتصاد الوطني ربما أن حصة الادخار الأكبر تقع على القطاع العام من خلال السياسة المالية العامة - أحد تبعات رفع ضريبة القيمة المضافة، إذ إنها ستحد من الاستهلاك وبالتالي تزيد من الادخار في المنظومة العامة "ربما موضوع دسم للبحث".
طبعا هذا لا يأخذ من المسؤولية الشخصية والحاجة إلى رفع الوعي والتحفيز. أحد جوانب الوعي نشر حقيقة أن أغلب من ينجح ماليا في المجتمع لا يعتمد على مصدر واحد للدخل، وأن الراتب التقاعدي دائما لا يكفي عالميا. أحد سبل الهدر المالي "عكس الادخار" حدث في كثير من الاستثمارات الشخصية لكثير من دول المنطقة، خاصة العقارية، حيث حقق خسائر مؤثرة ماليا، أحد سبل التحفيز ربما تطبيق بعض الإعفاءات الضريبية كلما أخذت الشركات بسبل خلاقة تحفيزية تشجع منسوبيها على التوفير طبقا لضوابط محددة ومرنة قياسا على الحجم والعدد. ربما إحدى الوسائل مستقبلا من ناحية معلوماتية الربط بين الضريبة والدخل والادخار كي تكتمل القاعدة المعلوماتية. كذلك لم يشر التقرير إلى نواح تفصيلية في توزيع الادخار حسب فئات الدخل.
التقرير مساهمة طيبة من KPMG خاصة وحدة البحوث الاقتصادية ورئيسها، ونحتاج إلى مزيد من البحث في الموضوع لكن أيضا لا بد لهيئة الإحصاءات من توفير معلومات أكثر ولا يكفي المسح الإحصائي، خاصة في ظل توافر المعلومات المالية والقدرات الحسابية في المنظومة المالية. كذلك للموضوع جوانب سلوكية واجتماعية تحتاج إلى دراسات من قبل المختصين في علم الاجتماع، خاصة أن نسبة الادخار تكون أحيانا أعلى في دول أقل دخلا للفرد. نحتاج إلى تسليط الضوء على الادخار في القطاع العام والشركات، خاصة العائلية، لأن جزءا مهما من مدخراتهم "أرباح الوكالات" لا يذهب للاستثمار في أعمالهم. رصد تطورات الادخار مؤشر مهم ورفعه ضروري ليصبح التكامل والتضامن الاقتصادي أشمل وأعمق.
نقلا عن الاقتصادية
( ......... يهدف لرفع نسبة الادخار من 2.4 في المائة في 2013 إلى 7.5 في المائة في 2020 ") لم تشر في المقال نسبة لمن ...وافترض انك تقصد نسبة للناتج المحلي ...... - طرق تشجيع الادخار المقترحة جيدة خصوصا لاستثمار 5 % من العقد في السندات او " الصكوك " .من اجل الثقافة المحلية ....وايضا الاعفاءات الضريبية لتشجيع الادخار ........ اعتقد قبل عقود حين كان الناس اقل ثقة في الغد من الان ...نسبة الادخار في مجتمعاتنا المحلية اعلى بكثير بسبب الخوف مما يخبئه المستقبل سيما وان الكثيرين للتو غادروا منصة الفقر المدقع خصوصا في الستينات واوائل السبعينات ....لكن بعد الطفرة النفطية في السبعينات خيل لابناء المجتمع ان لديهم ثروة لا متناهية وذهب الخوف من الغد ...ربما تكون نقطة بحث ايضا في الاقتصاد السلوكي لهذا المجتمع .........عموما ملاحظ في الازمنة البعيدة بان اهل نجد كانوا اكثر ميلا للادخار عن اهل الحجاز بسبب الاوضاع المعيشية الصعبة وانعدام الامن لديهم مقارنة بالحجاز الذي كان نسبيا يعيش في بحبوحة سببها الحج والاستقرار النسبي في القرن التاسع عشر ............شكرا لكم على هذا المقال الرائع
هناك نقطة ملاحظة وهي ان ارتفاع اسعار الحاجات الاساسية خلال اكثر من 40 سنة كان اعلى من نمو الدخل لهذه الاسر ومن اجل ان تحافظ هذه الاسر على مستوياتها المعيشية كان لزاما عليها خفض مستويات الادخار .....وترافق هذا مع التشجيع المحموم على الاستهلاك من قبل البنوك عبر مختلف انواع القروض الاستهلاكية وعبر بطاقات الائتمان والتي انتشرت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين .......تحياتي.