ضريبة العقار

09/06/2020 17
فواز حمد الفواز

تحدثت في عمود سابق عن الشجاعة في رفع الضريبة المضافة التي أعدها خطوة نحو تحول استراتيجي في الاقتصاد الوطني على أكثر من صعيد. التوجهات الاقتصادية بدأت بترشيد الدعم لضمان جودة استمرار المنافع العامة - من مصلحة الجميع أن تكون المصافي والكهرباء والمياه والغاز قائمة على أسس اقتصادية ومالية سليمة. ومن ثم الضريبة المضافة، إذ لا بد من تحجيم الاستهلاك وتحويلات النقد الأجنبي وتنويع مصادر دخل الحكومة وتحميل الوافدين جزءا من الضريبة، لأن ضريبة الدخل لن تطول أغلب الوافدين بسبب أجورهم غير العالية. رفع الضريبة المضافة يتعامل مع الاستهلاك على أمل أن تتوافر أموال أكثر في المنظومة العامة للاستثمار. التعبير المالي لتقليل الاعتماد على النفط يتم من خلال منظومة الضرائب.

هذه إحدى الخطوات المرحلية في التحجيم الاقتصادي من ناحية الوصول إلى مستوى أعلى من الاستقرار والاستدامة المالية. الخطوة المقبلة، في إعادة النظر في تطبيق رسوم الأراضي. المنظومة الضريبية تتكون عادة من ضريبة القيمة المضافة والضريبة على العقار وضريبة الدخل "في حال المملكة المقصود ضريبة على دخل الشركات وليس الأفراد، لأن الأغلبية رواتبهم من الحكومة - على الأقل في المدى المنظور". أحد الجوانب المهمة في الضريبة المضافة أنها تشمل كل المستهلكين وتؤثر في الأقل دخلا أكثر لأن جزءا أكبر من مداخيلهم يذهب للاستهلاك. سبق أن تم تنظيم رسوم الأراضي عند 2.5 في المائة على أن يطبق على مراحل.

لم يتعد النظام المرحلة الأولى لأسباب كثيرة منها الإداري والفني. حان الوقت لإعادة تطبيق النظام بطريقة مختلفة كي نحقق الأهداف المرجوة. المنطق الاقتصادي يتطلب ضريبة على الأراضي من عدة نواح، منها الحاجة إلى التوزيع الضريبي بين الأصول والاستهلاك، ومنها إعطاء المستهلك مساحة أخرى في أهم أصل ممكن أن يتملكه وهو المنزل الخاص لتعويضه عن الضريبة المضافة، خاصة بعد ارتفاع أسعار مواد البناء والمستلزمات المنزلية الأخرى، لذلك هناك حاجة إلى تخفيف العبء عنه. ومنها الحاجة إلى التوازن بين السلع القابلة للمتاجرة "مع الدول الأخرى، وبالتالي تتعامل معها الضريبة المضافة"، والسلع غير القابلة للمتاجرة مثل الأراضي. ومنها الحاجة إلى تغيير طبيعة الأرباح في الاقتصاد من الإيجار "التربح من أصل ثابت، بل عادة يطالب الملاك الحكومة بتقديم الخدمات كي يرتفع سعرها - تكلفة تدفعها الحكومة لملاك الأراضي" إلى تربح من نشاط اقتصادي إنتاجي أو خدمي.

إجمالا، هناك حاجة إلى إعادة تحجيم الاقتصاد الوطني، ولذلك هناك تكلفة لا بد من المشاركة في دفعها، بدأت بالضريبة المضافة ولا بد من رسم على الأراضي والبنايات التجارية، لأنه في الجوهر ليس هناك اختلاف بينها وبين الأراضي من وجهة مصلحة الأغلبية العظمى في المجتمع. كلما تقدم الاقتصاد ازداد التعقيد والمصالح المترابطة لذلك ليس هناك خطأ أن تكون جهات ضغط تدافع عن الاستمرار في الوضع الراهن أو التلكؤ في تطبيق النظام، وربما نجحت مرحليا. المهم أن نفرق موضوعيا بين المصالح الضيقة والخاصة والمصلحة العامة وتطور الاقتصاد الوطني.

الأحرى أن تكون الرسوم على الأراضي 1 في المائة فقط لمدة عامين تخضع بعدها لمراجعة إذا لم تنجح في تغيير مستوى الأسعار لإيجاد توازن جديد يخدم أكبر عدد ممكن من العامة، وتكون الرسوم على جميع الأراضي في كل نطاق عمراني ولأي مساحة إلا ما يثبت خطة ملزمة لبناء كمنزل خاص لمرة واحدة، رسم 1 في المائة يكفي لتشجيع الالتزام القانوني. نجاح النظام سيعتمد على التالي :1) تفعيل هيئة التقييم لتتمكن من رصد علمي مقارن للقيمة السوقية لكل أرض وتكون شفافة في التقييم طبقا لآلية معروفة لدى كل مرخص له بالتقييم - أحد شروط رخصة التقييم. 2) لا بد للمسح العيني أن يكون مرتكزا للموثوقية في ملكية الأراضي، إذ دون وضوح الحقوق تضعف المنظومة وترتفع التكلفة المجتمعية والشك. 3) لا بد لهيئة العقار أن يكون التفكير الاستراتيجي فيها جزءا من المنظومة الاقتصادية والمالية وليس الجانب العقاري للمنازل فقط، إذ إن إدارة الأراضي أكثر شمولية من تحدي الإسكان وحده. هذه العناصر كافية لنقل الضريبة والعقار والسكن والبلديات والخدمات العامة إلى مستوى جديد. تمر المملكة بخطوات وخطط استراتيجية تاريخية في مسيرة التحول الاقتصادي، أخذت القيادة ممثلة في مجلس الاقتصاد والتنمية تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خطوات جبارة ورفعت راية التحدي للنهضة في المملكة، لذلك أرى أن هذه خطوة صغيرة لكنها نوعية في التشارك الوطني بين ملاك الأراضي والمواطن في عملية التحول.

 

نقلا عن الاقتصادية