ذكر وزير المالية في حديثه الصريح أن هناك إجراءات مؤلمة نظرا للظروف الموضوعية التي تواجه المالية العامة بسبب تداعيات أزمة كورونا، أزمة بهذا التأثير في الدخل العام لا يمكن أن تحل من جانب أو حتى ثلاثة جوانب، لذلك لا بد من نظرة شمولية يكون هدفها ليس سلامة الجسم الاقتصادي للدولة فقط ولكن إعادة تشكيل المنظومة كي تكون أقوى وأكثر مرونة ورشاقة لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية. المعروف أن التكاليف الثابتة التي أهمها رقميا الرواتب والأجور يصعب أن تتناسب مع التغيرات في دخل النفط ولكن تمويلها يعتمد على دخل النفط. كلما ارتفع الجزء الثابت في تكاليف إدارة الدولة قلت مرونتها وقلت فرص تمويل الاستثمارات العامة الضرورية.
كما أن الرواتب والأجور سجلت ارتفاعا مؤثرا في العقد الماضي خاصة في الأعوام القليلة الماضية. تحدّ اقتصادي مالي لا بد من التعامل معه، إذ إن محاولة التعامل مع بعض النواحي الاقتصادية أثناء الأزمات تحتاج إلى بعد نظر ومواءمة بين الممكن ماليا وما يخدمنا اقتصاديا، وبين العدالة والفاعلية. في هذا العمود أتناول جانب الرواتب والأجور من ناحية عملية وإدارية تطمح إلى نتائج في السياسة العامة. التقدم الحقيقي يمر من بوابة إدارة البشر، فهذه أهم استثمار وليس في المباني والإنشاءات.
هناك لبس وخلط كثير في الأجور والرواتب. فهناك ما يخضع لأنظمة الخدمة المدنية وهناك ما يخضع لعقود طارئة ومتنوعة وخطوات إجرائية يقوم بها كثير من الجهات العامة وشبه العامة لمكافأة الأفراد في الأغلب دون تمحيص اقتصادي في العلاقة بين المردود والدخل وأحيانا دون تمحيص للكفاءة أو الإنتاجية، وهناك هيئات حكومية كثيرة لكل واحدة منها سلم رواتب مختلف وعادة أعلى من نظام الخدمة المدنية، خاصة تلك التي تأسست في الأعوام العشرة الماضية، بعضها رقابي وبعضها تنفيذي.
طبعا هناك حيثيات اقتصادية إيجابية لفاتورة الرواتب والأجور العالية، خاصة في رفع مستوى الحياة المعيشية ومستوى الطلب العام، بالتالي تشجيع القطاع الخاص على تعظيم الاستفادة من مستوى الاستهلاك، ولكن كما يقال في الاقتصاد ليس هناك غداء مجاني. أي محاولة لحل علمي لا بد أن تبدأ - في نظري - بإجماع حول عدة نقاط، منها أن الفاتورة عالية قياسا إلى الميزانية العامة، ومنها أن درجة عالية من محاولة المساواة في الدخل من خلال منظومة الخدمة المدنية، ومنها أنها لم تأخذ بفرز مؤثر في الكفاءة والتأهيل والإنتاجية، ومنها ارتفاع عدد الهيئات الحكومية التنفيذية والرقابية، ومنها التفريق بين شركات وهيئات عامة كثيرة دخلت تحت اسم قطاع خاص وهي ليست خاصة، ومنها منافسة غير مدروسة بين الوافد والمواطن من ناحية ومنافسة بين القطاعين العام والخاص من ناحية أخرى. أولى خطوات الحل تبدأ بتكوين إجماع حول الخواص وتقنين هذه الخواص كي نفرق بين مستلزمات الاستقرار الاجتماعي والتحدي المالي والأمثل اقتصاديا - كلما اقتربنا من الأمثل اقتصاديا اطمأننا للاستدامة والحيوية أكثر.
هناك هدفان، الأول أن تكون فاتورة الرواتب والأجور كنسبة من الميزانية عند نحو ثلث الميزانية مثلا، والآخر إعادة هيكلتها ليكون التحفيز الاقتصادي والمنافسة الشريفة هما العامل المنظم لسوق العمل الوطنية بعد حمايتها من الوافد. لا بد أن يكون الوافد عاملا إنتاجيا إضافيا بعد تفعيل القوى البشرية الوطنية. للأجور والرواتب أبعاد اجتماعية مهمة ولذلك الرسالة مهمة، خاصة في البداية، لأن الطريق طويل. أحد إفرازات المرحلة أن سلم رواتب القطاع الخاص أيضا ارتفع لأن السوق غير فاعلة لأسباب كثيرة وأيضا بسبب رفع أجور بعض وظائف القطاع العام أخيرا، وهذه بدورها غذت درجة من الوهم بأن هناك علاقة وثيقة بين الإنتاجية والمعرفة والراتب. فمثلا في ظل حوكمة محدودة لم تستطع CMA وSAMA التوصل إلى علاقة مقبولة اقتصاديا بين أداء كثير من الشركات والمصارف ودخل كبار الموظفين التنفيذيين، أحيانا تحت وهم استقلال القطاع الخاص وأحيانا ضحية الإهمال (الشركات المساهمة العامة ليست خاصة!).
يصعب فصل الرواتب والأجور عن الحاجة إلى جهاز عام أكثر فاعلية. الخطوات الأولى لا بد أن تكون صغيرة ولكنها مجتمعة تستطيع المساهمة في تغيير الحال والتهيئة للأهم. منها تقليص الوافدين في القطاع العام وشركات القطاع العام (تعرف كل شركة تملك فيها الحكومة بما فيها التأمينات والتقاعد أكثر من 15 في المائة بما في ذلك من يعتمد على العقود معهم بأنها عامة) لا تقل عن 30 في المائة في السنة الأولى و40 في المائة في السنة الثانية، ومنها مراجعة المكافآت ورواتب كثير من موظفي الهيئات والعقود في أغلب الوزارات التي كثير منها حدث في موجة حماس لموظفي القطاع الخاص دون دراسة مقارنية لمدى المصلحة الوطنية، ومنها كما أثبتت الأزمة أن كثيرا من الانتدابات والسفريات مجاملات لا داعي لها وليست لها علاقة بالمصلحة العامة، ومنها انهاء العقود الاستشارية مع الشركات العالمية بنسبة مؤثرة لكي نهضم ما كتبوه من توصيات في الأعوام القليلة الماضية. ومنها تغيير سلم الرواتب لبعض المهن، فلا يمكن لمعلم الفيزياء أو الكيمياء أن يتساوى في الدخل مع معلم المواد الاجتماعية، ممكن أن يعدل السلم بحيث تدفع الحكومة الفاتورة نفسها ولكن تميل إلى التخصصات العلمية لبناء اقتصاد أكثر تنافسية.
الخيار أحيانا بين رفع الإنتاجية وهو أصعب أو مراجعة التكاليف، المهارة الإدارية أن نجد الوسط المناسب. السلم الاجتماعي والتقدم الاقتصادي يعتمدان على مستوى مقبول من الدخل للأغلبية العظمى ولكن لا بد أيضا من مراجعة حصيفة تنتهي بسلم يميل إلى التنافسية والربط بين التأهيل والكفاءة من ناحية ومستوى الدخل من ناحية أخرى.
نقلا عن الاقتصادية
كما أن الرواتب والأجور سجلت ارتفاعا مؤثرا في العقد الماضي خاصة في الأعوام القليلة الماضية. تحدّ اقتصادي مالي لا بد من التعامل معه، إذ إن محاولة التعامل مع بعض النواحي الاقتصادية أثناء الأزمات تحتاج إلى بعد نظر ومواءمة بين الممكن ماليا وما يخدمنا اقتصاديا، وبين العدالة والفاعلية. في هذا العمود أتناول جانب الرواتب والأجور من ناحية عملية وإدارية تطمح إلى نتائج في السياسة العامة. التقدم الحقيقي يمر من بوابة إدارة البشر، فهذه أهم استثمار وليس في المباني والإنشاءات.
هناك لبس وخلط كثير في الأجور والرواتب. فهناك ما يخضع لأنظمة الخدمة المدنية وهناك ما يخضع لعقود طارئة ومتنوعة وخطوات إجرائية يقوم بها كثير من الجهات العامة وشبه العامة لمكافأة الأفراد في الأغلب دون تمحيص اقتصادي في العلاقة بين المردود والدخل وأحيانا دون تمحيص للكفاءة أو الإنتاجية، وهناك هيئات حكومية كثيرة لكل واحدة منها سلم رواتب مختلف وعادة أعلى من نظام الخدمة المدنية، خاصة تلك التي تأسست في الأعوام العشرة الماضية، بعضها رقابي وبعضها تنفيذي.
طبعا هناك حيثيات اقتصادية إيجابية لفاتورة الرواتب والأجور العالية، خاصة في رفع مستوى الحياة المعيشية ومستوى الطلب العام، بالتالي تشجيع القطاع الخاص على تعظيم الاستفادة من مستوى الاستهلاك، ولكن كما يقال في الاقتصاد ليس هناك غداء مجاني. أي محاولة لحل علمي لا بد أن تبدأ - في نظري - بإجماع حول عدة نقاط، منها أن الفاتورة عالية قياسا إلى الميزانية العامة، ومنها أن درجة عالية من محاولة المساواة في الدخل من خلال منظومة الخدمة المدنية، ومنها أنها لم تأخذ بفرز مؤثر في الكفاءة والتأهيل والإنتاجية، ومنها ارتفاع عدد الهيئات الحكومية التنفيذية والرقابية، ومنها التفريق بين شركات وهيئات عامة كثيرة دخلت تحت اسم قطاع خاص وهي ليست خاصة، ومنها منافسة غير مدروسة بين الوافد والمواطن من ناحية ومنافسة بين القطاعين العام والخاص من ناحية أخرى. أولى خطوات الحل تبدأ بتكوين إجماع حول الخواص وتقنين هذه الخواص كي نفرق بين مستلزمات الاستقرار الاجتماعي والتحدي المالي والأمثل اقتصاديا - كلما اقتربنا من الأمثل اقتصاديا اطمأننا للاستدامة والحيوية أكثر.
هناك هدفان، الأول أن تكون فاتورة الرواتب والأجور كنسبة من الميزانية عند نحو ثلث الميزانية مثلا، والآخر إعادة هيكلتها ليكون التحفيز الاقتصادي والمنافسة الشريفة هما العامل المنظم لسوق العمل الوطنية بعد حمايتها من الوافد. لا بد أن يكون الوافد عاملا إنتاجيا إضافيا بعد تفعيل القوى البشرية الوطنية. للأجور والرواتب أبعاد اجتماعية مهمة ولذلك الرسالة مهمة، خاصة في البداية، لأن الطريق طويل. أحد إفرازات المرحلة أن سلم رواتب القطاع الخاص أيضا ارتفع لأن السوق غير فاعلة لأسباب كثيرة وأيضا بسبب رفع أجور بعض وظائف القطاع العام أخيرا، وهذه بدورها غذت درجة من الوهم بأن هناك علاقة وثيقة بين الإنتاجية والمعرفة والراتب. فمثلا في ظل حوكمة محدودة لم تستطع CMA وSAMA التوصل إلى علاقة مقبولة اقتصاديا بين أداء كثير من الشركات والمصارف ودخل كبار الموظفين التنفيذيين، أحيانا تحت وهم استقلال القطاع الخاص وأحيانا ضحية الإهمال (الشركات المساهمة العامة ليست خاصة!).
يصعب فصل الرواتب والأجور عن الحاجة إلى جهاز عام أكثر فاعلية. الخطوات الأولى لا بد أن تكون صغيرة ولكنها مجتمعة تستطيع المساهمة في تغيير الحال والتهيئة للأهم. منها تقليص الوافدين في القطاع العام وشركات القطاع العام (تعرف كل شركة تملك فيها الحكومة بما فيها التأمينات والتقاعد أكثر من 15 في المائة بما في ذلك من يعتمد على العقود معهم بأنها عامة) لا تقل عن 30 في المائة في السنة الأولى و40 في المائة في السنة الثانية، ومنها مراجعة المكافآت ورواتب كثير من موظفي الهيئات والعقود في أغلب الوزارات التي كثير منها حدث في موجة حماس لموظفي القطاع الخاص دون دراسة مقارنية لمدى المصلحة الوطنية، ومنها كما أثبتت الأزمة أن كثيرا من الانتدابات والسفريات مجاملات لا داعي لها وليست لها علاقة بالمصلحة العامة، ومنها انهاء العقود الاستشارية مع الشركات العالمية بنسبة مؤثرة لكي نهضم ما كتبوه من توصيات في الأعوام القليلة الماضية. ومنها تغيير سلم الرواتب لبعض المهن، فلا يمكن لمعلم الفيزياء أو الكيمياء أن يتساوى في الدخل مع معلم المواد الاجتماعية، ممكن أن يعدل السلم بحيث تدفع الحكومة الفاتورة نفسها ولكن تميل إلى التخصصات العلمية لبناء اقتصاد أكثر تنافسية.
الخيار أحيانا بين رفع الإنتاجية وهو أصعب أو مراجعة التكاليف، المهارة الإدارية أن نجد الوسط المناسب. السلم الاجتماعي والتقدم الاقتصادي يعتمدان على مستوى مقبول من الدخل للأغلبية العظمى ولكن لا بد أيضا من مراجعة حصيفة تنتهي بسلم يميل إلى التنافسية والربط بين التأهيل والكفاءة من ناحية ومستوى الدخل من ناحية أخرى.
نقلا عن الاقتصادية
تحتاج إلى بعد نظر ومواءمة بين الممكن ماليا وما يخدمنا اقتصاديا، وبين العدالة والفاعلية لو ماكتبت الا هذه الجملة لكفت بيض الله وجهك استاذ فواز مقال في الصميم
شكرا لك اخي صقر السوق
"وهذه بدورها غذت درجة من الوهم بأن هناك علاقة وثيقة بين الإنتاجية والمعرفة والراتب" "يصعب فصل الرواتب والأجور عن الحاجة إلى جهاز عام أكثر فاعلية"............ " الخيار أحيانا بين رفع الإنتاجية وهو أصعب أو مراجعة التكاليف" ______________________________________ عزيزي الاستاذ فواز ....لا تتحدث عن الانتاجية والفاعلية في معظم اجهزة الدولة والتي تضرب بها فيروسات وبكتيريا الفساد الاداري من كل جهة فالمعايير المهنية لايلتفت لها لدينا عند التوظيف او الترقية بل ان التوظيف كما نعلم يتم حسب خطوط المحسوبية من مناطقية وقبلية وفئوية بل الانكى انه حتى رئيس جهاز مكافحة الفساد اعترف في مقابلته مع المديفر ، بان هناك بيع للوظائف مقابل تسوية نقدية بعد ان كان يتم بنظام الكردت بين المسؤولين ...(انا اعين لك واحد في جهازي مقابل ان تعين لي واحد في جهازك محسوبي علي) ......ويحاول هؤلاء المسؤولين التغطية على ضعف الفاعلية والانتاجية بان التعليم في السعودية ضعيف وهذه فرية لاتنطلي على احد فقد درسنا لسنين طويلة في امريكا ولا نرى ذلك الاختلاف الموهوم الا اذا كان احدهم يريد ان يقارن كلية المجتمع في احدى القرى مع هارفارد ...اما مقارنة جامعتنا مع معظم الجامعات المناطقية في امريكا Regional Universities فالامر متقارب ....الحقيقة ان معظم اجهزتنا بما فيها الشركات العامة state enterprises هي مزارع خاصة لهؤلاء المسؤولين يعينون من يريدون دون اعلان او شفافية في التعيين وكان يتصرفون بمزارعهم الخاصة .....وطبعا لا يأبهون للكفاءة لانهم هم اصلا لا حد يتابع مؤشرات ادائهم ...حتى غدت معظم مؤسساتنا مرتعا للفئوية ........باب الانتاجية يتم عبر الشفافية ........ليس مطلوبا من الاصيل ان يكون شفافا لانه ماله وهو حر فيه ....لكن ادارة الوكيل يجب ان تكون شفافة وإلا فكل انواع الفساد هي الناتج الطبيعي لهذه الادارة .....ومع هذا الفساد يتم تدمير الحافز الفردي للعمل .......فلماذا العمل والانتاج اذا كانت العملية محسومة والتعيين والترقية لايلتفت فيها للمعايير المهنية ...وتكون المعايير الاخرى هي الحاكمة !!!. لقد اشار وكيل وزارة المالية الاسبق سليمان المنديل في مقال له في صحيفة الوطن قبل سنين " بان معظم الوزراء يعمدون لتأسيس شركات تابعة لوزراتهم لكي يقوموا بتعيين ابناء موظفي الوزارة الكبار برواتب فلكية وبذلك يتم التهرب من الجهات الرقابية الحكومية" !! ..... تحياتي .
شكرا لك شاري راسي . كل ما ذكرت موجود بدرجات و لكن انا و الكثير استفدنا من الجهاز العام تعليميا و وظيفيا و مهنيا. ايضا تغيير المسؤولين و بسرعة يحد كثيرا مما ذكرت. كما ان اعتقد ان محاربة الفساد ايضا عملية تعلم و بدات بقوة في النواحي المالية و الامل ان تمد للنواحي البشرية لانه بصراحة دون تطور النواحي البشرية و خاصة في ميدان المنافسة يصعب ان يكون هناك تقدم .
شكرا استاذ فواز .. ...وابدأ من حيث انتهى الاخرين ....... طريق الانتاجية مربوط بالحافز الفردي للعمل وهذا الاخير مربوط بالعدالة وهي مربوطة بالشفافية...... حين نستطيع رفع مستويات الشفافية مقارنة لما هو معمول به في الدول الغربية ، فستأيتك الانتاجية ........انها اليد الخفية invisible hand التي تحدث عنها آدم سميث وغيره من مفكري الرأسمالية .....تحياتي