رفع الضريبة المضافة

19/05/2020 6
فواز حمد الفواز

أهم خبر اقتصادي لهذا العام هو انخفاض أسعار النفط، لكن أسعار النفط انخفضت بسبب الانحدار غير المتوقع في الطلب، ولذلك نحن متلقون للسعر العالمي رغم ما بدا من وزارة الطاقة من حيوية وتفاعل وإعادة تمركز ومرونة، "أصبحت المرونة من أهم السمات المطلوبة بقوة في الإدارة الاقتصادية اليوم"، لكن أهم خطوة في إدارة الاقتصاد في هذه الأزمة كانت المفاجأة والشجاعة في رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المائة. هناك إجراءات احترازية وأخرى قيادية، أعجبتني الخطوة لأنها قيادية في وقت صعب. قبل الدخول في أي توصيف تحليلي لطبيعة الضريبة وتداعياتها الاقتصادية، لا بد من توقع الصدمة، لأنها قرار من النوع القادر على تغيير تصرفات الفاعليات الاقتصادية وبداية جديدة لاقتصاد مختلف في حال استمرار الخطوات الاقتصادية.

الوجه الآخر لشجاعة القرار أن قرارا واحدا لا يكفي، لأن الاقتصاد يعتمد على إدارة التوازنات في منظومة تفاعلية بما يخدم أهداف "الرؤية" السامية في اقتصاد إنتاجي. هناك أنواع من الضرائب لكن الإدارة الاقتصادية اختارت ضريبة القيمة المضافة لأسباب موضوعية، فضريبة الدخل على الأفراد ليست الأنسب لأسباب منها أن الأغلبية موظفو قطاع عام في اقتصاد طابعه استهلاكي، ووافدون أغلبهم برواتب ليست عالية، ويعتمد على استيراد أغلب السلع. الأفضل هي ضريبة القيمة المضافة.

لعل أفضل طريقة لتقدير الموقف أن نذكر عدة خصائص لهذا النوع من الضرائب كالتالي:

1- نسبة الاستهلاك من الدخل القومي الإجمالي عالية، خاصة أن أغلب السلع مستوردة وهناك نشاط تجاري بمردود ضعيف على الاقتصاد، خاصة في ميزان المدفوعات التجاري في السلع وأيضا الجاري.

2- يصعب تغيير أنماط الاستهلاك في المجتمع دون رفع الضريبة إلى حد تغيير التصرفات، لذلك جاءت نسبة الرفع عالية.

3- الضريبة تستهدف الاستهلاك لكن الاستهلاك يشكل نسبة أعلى من المداخيل المحدودة، لذلك تأثيرها نسبيا أكبر فيهم، لكن هذه تم التعامل معها من خلال استثناء 193 سلعة ضرورية.

4- رغم الاستثناءات إلا أنها في الأغلب لا تفرق بين السلع القابلة للمتاجرة مثل السيارات "مع الدول الأخرى" وغير القابلة للمتاجرة مثل العقارات، خاصية ربما تحتاج مزيدا من المراجعة والتوضيح في مقال آخر.

5- رفع الضرائب عادة لا ينتج عنه عوائد مالية متماثلة "رفع الضريبة بنسبة 200 في المائة لا ينتج عنه زيادة في المردود المالي بالنسبة نفسها، لأن هناك تغيرا في التصرفات وربما مستوى الطلب، لكن الهدف العميق -تغيير التصرفات وليس جني الأموال.

6- ليس واضحا إذا كان هناك سماح للمواد التي تدخل في العملية الإنتاجية. التطبيق الدقيق وتفاعل هذه الخصائص هو ما سيحدد المسار الاقتصادي، إذ إن التأثيرات الإيجابية ستأتي مستقبلا. أحد المحاذير الجديرة بالرقابة تأتي في العلاقة التجارية مع بعض دول الخليج، خاصة في ظل توجهات الاتفاقية الجمركية واختلاف مستوى الضريبة المضافة.

التوجه الاقتصادي العميق هو إعادة تحجيم الاقتصاد، وأجد هذه الخطوة تصب في الاتجاه الصحيح لكن أيضا مرتبطة بخطوات أخرى تكاملية، إذ لا يمكن لخطوة واحدة مهما كانت جريئة أن تكفي للتعامل مع تغيير اقتصادي جوهري. الشجاعة في هذه الخطوة تجعل الخطوات الأخرى أسهل.

أحد التأثيرات الإيجابية في السيطرة على ارتفاع أعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة غير الحميد - تلك التي يكون التستر الأسود أو الرمادي هو سمتها الرئيسة. تعامل القطاع العام مع الضريبة بمنطق اقتصادي في الماديات، لكن الأهم في المدى البعيد هو القوى البشرية. فمثلا لا بد من إعادة مراجعة للقوى البشرية خارج ما اعتدنا عليه، إذ لا بد من تقليص الوافدين بداية بالوظائف الوسطى الإدارية والمحاسبية "جزء كبير حسابي أكثر منه محاسبي"، بداية في القطاع العام المباشر وغير المباشر "كل شركة تملك فيها صناديق التقاعد والتأمينات". ا

لهدف القريب هنا رفع أجور المواطنين في القطاع الخاص، والسيطرة على مستويات تحويل النقد الأجنبي، الهدف البعيد يصب في اتجاه المصلحة نفسها من ضريبة القيمة المضافة للاقتصاد الوطني: تحجيم الاقتصاد لإدارة موارده بفاعلية أعلى. كذلك التحق بالقطاع العام كثيرون برواتب عالية في الأعوام القليلة الماضية، ولذلك لا بد من المشاركة مع المستهلكين في تحمل تبعات الضريبة. الجميل في التعامل مع العامل البشري أنه مهم جدا معنويا، إذ إن الرسالة العامة جوهرية لحشد الجميع نحو الإصلاح الاقتصادي. التحدي المالي كبير رغم أن المركز المالي للمملكة ما زال مريحا نسبيا، ولذلك توقيت الإصلاحات مقبول على أمل أن تصب كلها في الاتجاه نفسه: إعادة تحجيم الاقتصاد ليدير موارده بكفاءة أعلى.

 
نقلا عن الاقتصادية