لو كتُب لك أن تسأل في مطلع السنة الميلادية أكثر المتشائمين سلوكاً عما يتنبأ به من أحداث وكوارث عالمية، لما تمكن من تخيل وإحصاء ما أصاب البشرية قاطبةً فقط في الربع الأول من العام!
ان ما أحدثته "جائحة كورونا" من آثار فظيعة على سائر شئون الحياة المختلفة سيفضي في الغالب إلى تغيير عدد من المبادئ والقناعات المترسبة عبر السنين، ولعل من أهمها ما يتعلق بمفهوم "العولمة الاقتصادي".
يتبنى مفهوم "العولمة الاقتصادي" قواعد تعزز من حرية ممارسة التجارة والتنقل بين الدول، ولا يخفى عليك-عزيزي القارئ- أن الدول الغربية هي الأكثر تطرفاً في ممارسة هذه الحريات. وهي بالمناسبة الأشد تضرراً من آثار جائحة كورونا.
بحسب أرقام موقع منظمة الصحة العالمية حوالي (%65) من مجموع إصابات فايروس كورونا حول العالم سجلت في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا بما يتجاوز (مليون ونصف) حالة!
كما تأثرت اقتصاديات هذه الدول بشكل غير مسبوق جراء خطوات إغلاق الاقتصاد لمكافحة انتشار الفايروس، وسجلت الأسواق المالية خسائر ضخمة تفوق تلك التي سّجلت في الأزمة المالية العالمية عامي 2007-2008.
فعلى سبيل المثال فقد مؤشر (داو جونز) نسبة (%23) من قيمته في الربع الأول من عام 2020م، وهو الأسوأ منذ عام 1987م.
وبما أن العالم لا يزال يعيش تحت وطأة جائحة كورونا، فإن حجم ودرجة التغييرات ستعتمد في المقام الأول على طول أمد الأزمة والمستوى الذي قد تصل إليه.
ومع هذا فإنه من المرجح أن اتجاه دول العالم الأخرى لتبني نموذج الدول الغربية في الانفتاح الاقتصادي وحرية التنقل والعمل والتجارة لن تستمر في السنوات القادمة، كما أن مفهوم "العولمة الاقتصادي" ذاته سيكون موضع مراجعة ونقد من قبل الدول التي تبنت المفهوم منذ نهاية القرن المنصرم.
بلا ريب؛ ستكون الأسابيع والشهور المقبلة حبلى بولادة عدد من الإرهاصات التي ستغير من شكل العالم لعقود لاحقة، وسيتوقف العالم بإجمعه عن الاستمرار في مسار لا يحقق التوزان بين الانفتاح الاقتصادي والاكتفاء الذاتي الوطني.خاص_الفابيتا