جاءت إعادة تصنيف المملكة المتميز في وقت صعب عالميا ما يدل على حالة مالية ممتازة مقارنة حتى بأغلب دول مجموعة العشرين فضلا عن دول العالم الثالث، كما جاءت اعادة تموضع المملكة نفطيا كرسالة قوية على مركزية المملكة في قطاع الطاقة. هذه حالة تمكننا من الطمأنينة على تجاوز الأصعب. أثبتت الظروف الحالية ماليا واقتصاديا الحاجة إلى تكوين اجماع جديد أو على الأقل إعادة صياغة الخطاب الاقتصادي في المملكة.
لا يزال وسيستمر الاقتصاد السعودي ذا طابع مالي حيث المحرك الأساس هو المالية العامة من خلال المصروفات العامة. ليس هناك جديد لكن طبيعة المخاطر تغيرت بسبب تغير حالة النفط من ناحية واستمرار المصروفات في الارتفاع. محاولة التحول الاقتصادي عملية طويلة ولن تصل إلى نقطة انعطاف في المستقبل المنظور إذا عرفنا التحول أنه حين تصل ضرائب الدخل جزءا أساسيا في تمويل ميزانية الحكومة والقدرة على تصدير منتجات صناعية أو خدمية قريبة من مستوى الواردات.
العجز والفائض في المالية العامة أو في ميزان المدفوعات سيخضع للدورة الاقتصادية والكفاءة في رفع الانتاجية وسرعة التحول والحالة العالمية وجودة التعليم وحتى الحظ، لكن التوجهات نحو التوازن هي الأهم. هناك محاولات جيدة خاصة في القطاعات الخدمية لكن المشوار طويل. أحد مصادر الخطر في المدى القصير هو تكون تفكير جمعي Group think بين النخبة الاقتصادية يمنع أو يلاقي صعوبة في تكوين إجماع جديد.
ماليا اتخذت الحكومة خطوات مهمة من خلال ضريبة القيمة المضافة والرسوم على الأراضي والعمالة الوافدة بسبب أن دخل النفط لن يكفي للتعامل مع المصروفات العامة -مصروفات أجور ودفاعية واستهلاكية واستثمارية. واقتصاديا أيضا سعت إلى توسيع المشاركة في سوق العمل خاصة للنساء والاستثمار في بعض النواحي التصنيعية مثل السلاح والخدمات الترفيهية والسياحية . التحدي أن الساعة المالية أسرع بكثير من الساعة الاقتصادية.
المراهنة على تحسن أسعار النفط مقبولة ومتوقعة في ظل النزول الحاد لكنها لن تضمن استمرار النموذج الحالي حتى لو تضاعفت. أحد الخصائص المعروفة في النموذج الحالي أنه حين يقل الدخل فالضحية تكون الاستثمارات وليست المصروفات الثابتة ما يجعل التحدي الاقتصادي أصعب مستقبلا في كل جولة. لذلك الخيار الواقعي كما تشير تجربة الجيلين الماضية كان ولا يزال المراهنة على استمرار النموذج "الطابع" المالي من خلال تمويل العجز في الميزانية بخليط بين الاقتراض والسحب من الرصيد لحين يعاود سعر النفط الارتفاع وتعويض الخزينة العامة، ومحاولة البناء الاقتصادي تدريجيا. كان خيارا ممكنا لأن حجم السكان كان محدودا ومستوى التمكين التعليمي والمعرفي محدودا والتحول الاقتصادي يتطلب بنية تحتية لم تكن موجودة. من أصعب الأشياء تحديد نقطة التحول في نموذج والدعوة إلى نموذج بديل لأسباب كثيرة فكرية وثقافية ومصلحية وراحة التعود على الطريق المعتاد.
مادة قراءة التحول لن تخرج عن الدين العام والعجز والرصيد ومستوى الميزانية والرواتب والتحويلات للخارج وأسعار النفط المتوقعة في الأعوام القليلة المقبلة. لذلك الخيار بين الاستمرار أو إجماع جديد.
المملكة في وضع جيد يمكنها من الإعداد للتحديات الآنية والمقبلة. في نظري المتواضع هناك حاجة إلى إاجماع جديد أكثر تحفظا من خلال المحافظة والحرص على المال كركيزة أساسية في النموذج المالي مرحليا لحين إعادة تكوين اقتصاد جديد وسيأخذ وقتا طويلا لأن رفع الكفاءة والإنتاجية أكبر تحد يواجهه كل المجتمعات.
الجيد في الموضوع أن في تقليص الوافدين تلتقي المصلحة المالية والاقتصادية بشرط التخلص من التفكير الجمعي كما ذكرت أعلاه. تقليص التحويلات المالية ورفع مشاركة المواطنين في سوق العمل هو التهيئة الفعلية لرفع الإنتاجية. أحد تبعات أزمة الكورنا وإفرازاتها الاقتصادية أن تكلفة الوافد قد ترتفع فجأة ولا يمكن اختزالها في رقم مالي يبدو قليلا. بعد جيلين حتى الطابع المالي بدأ يأخذ شكلا جديدا بسبب بطء الساعة الاقتصادية من خلال تحدي منظومة التقاعد والانكشاف على التوسع المكلف في قطاع الانشاءات غير الإنتاجي بطبعه.
أحد مشكلات التفكير الجمعي السائد المراهنة على الأرقام للتظاهر بالعلمية بينما التوجس من نقطة الانعطاف والتفكير والعلاقة غير العادية بين الطابع المالي وطبيعة التحول الاقتصادي أهم بكثير من أرقام تخفي أكثر مما تنير. تقدم الرؤية خريطة طريق لقيادة وأمة طموحة تستطيع التغلب على تبعات الأزمة والتطلع لمستقبل واعد.
المراهنه على القطاع الخاص بشكله الحالي لرفع الناتج المحلي والدخل اتصور انه رهان خاسر. هذا القطاع اثبت انه قطاع طفيلي يتعيش على الدعم والتسهيلات الحكوميه. اذا لم تتم اعادة هيكلة هذا القطاع بما يخدم الرؤيه بشكل جاد وصحيح فلا فائده منه. والله اعلى واعلم.
تتمه ... قطاع الوافدون يشكلون 85٪ منه ( هم من يقوده ويديره ) والهدف الاساس كسب الاموال ثم تحويلها الى الخارج ولاينفق منها الا اقل القليل في الداخل !! وليس هذا فحسب ولكن هي اموال يتم تحصيلها من البلد نفسه .. الاموال التي يتم تحصيلها من الخارج ( اموال صعبه ) نسبتها قليله جدا !! لذالك هو قطاع اغلب اعماله خدمات تقدم داخل البلد ويتم مقابلها الحصول على اموال من داخل البلد ثم تسفيرها الى الخارج !! ليس هناك انتاج حقيقي يتم تصديره الى الخارج والحصول مقابله على اموال. قطاع بهذا الشكل وهذه الشاكله لايفيد الان ولايمكن ان يستمر. والله اعلى واعلم.