يسأل كثيرون متى يرفع الحجر الصحي ومنع التجول؟ الجواب الابتدائي إذا صارت التكلفة تزيد بوضوح على المنفعة. ومن يوضح فيقرر ذلك ليس أهل الشائعات والقيل والقال ومتحدثو وسائل التواصل وأصحاب المقاطع، وإنما ولاة الأمر بمشورة أهل العلم والاختصاص في الموضوع. والمؤسف أن كثيرين يرسلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع ونصائح ومعلومات وأخبارا غير موثقة. وهذا خطأ كبير ينبغي للمتسلم أن يتجاهله.
معلوم أن وباء الكورونا تسبب في إصابة اقتصادات دول العالم بأقوى ضربة على مدى عقود من الزمن. ويجادل مجادلون في مختلف دول العالم والشعوب مطالبين بالتساهل في تطبيق الحجر الصحي. يجادلون أحيانا جدالا بطريقة مضللة. يصورون الوضع كما لو أنه خيار بين سلامة الناس وسلامة الاقتصاد والوظائف. وهذا كلام فاسد. يصلح الخيار بين اختيارين متعارضين مستقلين. أي لا يمكن جمعهما معا، وتأثير الأخذ بأحدهما مستقل عن الآخر. أما في موضوعنا، فإن المنع والحجز مطلب أساسي في السعي إلى السيطرة على انتشار الفيروس.
والسيطرة على هذا الانتشار مطلب أساسي في السعي إلى سلامة الناس. وسلامة الناس مطلب أساسي لعمل الاقتصاد فسلامة رزقهم. ولذا من المهم أن يتفهم المجادلون أن حماية صحة الناس مطلب لحماية وظائفهم وأعمالهم.
الوضع طارئ. فلم يحدث عبر عشرات الأعوام أن مررنا بمثله. ومئات الملايين من البشر مهددون بفقد وظائفهم أو على الأقل انخفاض دخولهم بقوة. ذلك أن البعض غير موظف لكنه يعمل في أعمال حرة بسيطة تكفيه قوت يومه. ودخول هؤلاء أصلا بسيطة، وزادت ضعفا مع الأزمة.
التوجه عالميا وقد أدركته حكومتنا مبكرا - بفضل الله - أن يترافق مع متطلبات الحماية الصحية دعم الاقتصاد. وعندما نقول "دعم"، فإن الأمر يتوجه أساسا إلى الحكومات وليس القطاع الخاص.
لدعم الاقتصاد ونشاطاته أوجه متعددة. طبعا ليس من بينها دعم يتعارض مع المتطلبات الصحية للحد من انتشار المرض. ومن المهم أن يعرف أن الهدف من الدعم ليس إعادة النشاط الاقتصادي إلى توازنه أو حاله قبل الأزمة، فهذا غير ممكن، وإنما الهدف الأهم هو تخفيف الأضرار الاقتصادية الناشئة من الكورونا وتبعات مكافحته، ويتركز الدعم في ثلاثة أمور:
1 - دعم موجه للأكثر تضررا من العائلات والأفراد والمنشآت.
2 - دعم يخفف تكاليف القطاع الخاص، وهذا يقلل العطالة والإفلاس.
3 - دعم يخفض تكاليف التمويل.
لكن كثيرين في مختلف دول العالم يطرحون سؤالا جوهريا: إلى متى يستمر الحجر الصحي؟ هل نبقى في الحجر لو استمر وباء الكورونا شهورا؟ لا أحد يعلم، ولكل حادث حديث. وندعو الله - سبحانه - أن يصرف عنا هذا الوباء قريبا، إنه سميع مجيب.
خلال فترة الحجر الصحي، هناك خصائص تظهر، وسياسات اقتصادية عديدة مطروحة أو ستطرح.
من ضمن الخصائص أن دور القطاع العام يزيد ويتسع خلال الأزمات. وهذا أمر طبيعي. وقد قرأت للبعض محاولة جر هذا التوسع لتعميم الهجوم على القطاع الخاص، والدعوة إلى تعظيم دور القطاع العام في الاقتصاد، بما ينتج عنه تهميش القطاع الخاص. ومن ثم تحويل الاقتصاد إلى اشتراكي أو شبهه. لا شك أن هناك من يريد الاستغلال المادي لأي أزمة تقع، فالبشر يحبون المال حبا جما. وهنا دور السلطات بقوة الرقابة. أما الاستنتاج بفشل القطاع الخاص ففيه مغالطة. وسأضرب مثالين يبينان لماذا هي مغالطة.
الأول: معلوم أن حوادث السيارات كثيرة. لكن هذا لا يعني رفض القيادة، وإنما الاهتمام بجودة القيادة وتشديد الرقابة.
الثاني: زاد مع الأزمة دور وزارة الصحة ومبانيها، بينما دور وزارة التعليم والجامعات والمباني المدرسية تقلص. فهل يعني ذلك الاستمرار على هذا النهج بعد انتهاء الأزمة؟ طبعا لا. إغلاق المدارس والمساجد إنما لأمر طارئ وليس لأمر يستنتج الاستمرار عليه.
جائحة فيروس كورونا تعد مثل الحرب. والسياسات المتخذة في الدول تشبه بعض الشبه السياسات المتخذة وقت حصول الحروب. ذلك أن الحروب دون اتخاذ احتياطات تتسبب في وفاة كثيرين. ومن ثم تتخذ احتياطات لتقليل عدد الوفيات.
بعد انتهاء الحرب ترجع الأمور إلى طبيعتها تدريجيا، وليس بسرعة. رجعة الأمور وكيف ترجع يعتمدان على مدة الحرب ومدى تأثيرها.
من المهم جدا ضبط الدعم الحكومي حتى لا يساء استغلاله من جهة، وحتى لا يتسع كثيرا بما يحمل المال العام أعباء ومديونيات كبيرة لا داعي لها. وهذا يعني أنه لا بد من ضوابط واشتراطات وقيود. لكن بالمقابل، ينبغي ألا يساء في وضع الضوابط والاشتراطات، بما يتسبب بالعكس. أي يتسبب في تضرر مستحقين أو عدم وصول الدعم إليهم. والتفصيل في هذه الأمور طويل لا يتسع له المقال.
ندعوه - سبحانه - أن يرفع عنا الوباء، والبلاء، ويصلح أحوالنا، آمين.