هل سيؤثر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي؟

08/03/2020 1
عاصم الرحيلي

في القارة المقابلة وعلى بعد أكثر من 6000 ميل من الصين، يستعد مواطن أمريكي يعمل في تجارة الحقائب لتلقي التأثير العابر للقارات بسبب تفشي فيروس كورونا، ويتخلى عن خمس قوته العاملة.

مايكل سميرلينج الذي يملك شركة لبيع حقائب الظهر وحقائب السفر في مدينة شيكاجو، اضطره توقف الموردين الصينيين عن تزويده بالبضاعة التي يتاجر  بها في إجراء اتخذته السلطات الحكومية كمحاولة للحد من تفشي المرض، إلى تسريح 8 عمال من شركته، في مثال يوضح كيف أصبحت حياة ملايين البشر حول العالم تتأثر  بما يحدث في الصين. 

تشير أحدث التقارير إلى أن فيروس كورونا ضرب 61 دولة حول العالم ، بإجمالي عدد إصابات تجاوز 93 ألف حالة ووفاة 3000 شخص في وقت تعمل فيه الحكومات جاهدة لمنع تحوله إلى وباء عالمي. 

ومثل الانتشار السريع لمرض في أقل من شهرين؛ ضربة موجعة للاقتصاد العالمي كما سنرى، إلا أن حجم التأثير الشامل المتوقع لكورونا على الاقتصاد العالمي يعتمد على مدى سرعة وفعالية احتواء المرض وهو أمر مستحيل التنبؤ به بدقة في ظل عدم توفر علاج للمرض حتى الآن.

تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الصيني 

تكمن نقطة البدء في اكتشاف مدى التأثير الذي يلحقه فيروس كورونا في الاقتصاد العالمي في المتغير المستقل "الصين"، باعتبارها مكمن تفشي المرض و"مصنع العالم" في الوقت نفسه، وفي مدى قدرتها على السيطرة على هذا الفيروس ومكافحته والحد من تداعياته السلبية على اقتصادها الوطني.

أجبر اندلاع المرض السلطات الصينية على فرض حجر صحي على مدن بأكملها في محاولة للسيطرة على الفيروس بالإضافة إلى فرض قيود على السفر والعمل، وتراجع الاستهلاك بشكل ملحوظ لأن أغلب المواطنين يفصلون البقاء في منازلهم.

كنتيجة لذلك أغلقت العديد من المراكز الصناعية والمالية الكبرى وتأجلت عودة المصانع لاستئناف عملها بعد انقضاء عطلة رأس السنة القمرية، وعانت مصانع أخرى من عدم مقدرتها على الحصول على إمدادات المواد الخام من خارج البلاد، بالإضافة إلى تعثر عمليات توريد بضائعها إلى مناطق مختلفة من العالم.

تضررت صناعات عديدة، كالسلع الفاخرة والسيارات التي أجبرت على خفض الإنتاج بحوالي 15%، وانخفضت أنشطة صناعات الخدمات كالسياحة والمطاعم بالإضافة إلى الطيران بعد تقليص العشرات من شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى الصين، وسط توقعات بموجة تضخم ستضرب الاقتصاد الصيني بعمق نتيجة لتراجع مستويات الإنتاج.

هل هذه المرة كسابقتها (سارس)؟ 

يرى البعض أن الصين قادرة على تجاوز هذه التداعيات الاقتصادية بالقدر نفسه الذي حدث مع تفشي مرض سارس قبل 17 عاما، إلا أن هذه المرة ليست كسابقتها فالصين ديونها في مستويات أعلى وغبار حربها التجارية مع أمريكا لم يهدأ بعد، وعانت لعدة سنوات مضت من تباطؤ نموها بشكل مستمر، وبالتالي فهي في موقف أضعف من سابقه لمواجهة هذه الأزمة.

الولايات المتحدة الأمريكية كشفت عن أن مواجهة كورونا من خلال التوصل إلى لقاح فعال للوقاية منه قد لا يتوفر حتى نهاية العام الحالي أو العام التالي، وهو ما يعني أن خطر الإصابة سيستمر في أكثر التوقعات تفاؤلا حتى أواخر 2020.

سيناريوهات تجاوز التداعيات الاقتصادية لكورونا

توقع صندوق النقد الدولى أن السيناريو الأقرب للحدوث هو أن تشهد الصين هبوطا حادا ثم انتعاشا سريعا للأنشطة الاقتصادية واحتواء لتأثير الهبوط على الاقتصاد الصيني فيما يشبه تغيرا على شكل حرف V . ويعود التعافي السريع النسبي للاقتصاد الصيني في ظل هذا السيناريو إلى امتلاك البلاد بنية تحتية صلبة وبنية تكنولوجية قوية توفر قدرا كبيرا من المرونة في الإنتاج وتساعد الأسواق الداخلية على التعافي سريعا.

أما في حال استمرار الأزمة في الأجلين المتوسط والطويل، فلن يقف التأثير عند حد هبوط مؤقت فقط، وإنما ستنخفض العملة الصينية وتفقد جزءا كبيرا من قيمتها نتيجة لإصابة الصادرات والواردات بالشلل وتراجع الدخل للانخفاض المستمر في الإنتاجية، وستحدث أضرار هيكيلية كبيرة في سوق العمل ورأس المال. 

هل سيتسبب فيروس كورونا في حدوث ركود في الاقتصاد العالمي؟

بالنظر إلى السوابق التاريخية لانتشار الأوبئة في العالم، نجد أن الصين وقت انتشار مرض سارس كانت تشكل 8% من الاقتصاد العالمي ، أما اليوم فالنسبة ارتفعت إلى 19% وأصبح الاقتصاد الصيني متداخل بشكل أكبر في آسيا وفي جميع أنحاء العالم.

هذه القيمة الكبيرة للاقتصاد الصيني بالنسبة للعالم جعلته محورا لنمو الاقتصاد العالمي ولاعبا مسيطرا على الأسواق، بما يعني أن توقف بعض أنشطته الاقتصادية بسبب أزمة كورونا سيكون له تداعيات كبيرة في جميع أنحاء العالم.

بشكل رئيسي شهدت جميع البورصات تراجعا ملحوظة وانخفض سعر النفط وتوقعت الأوبك أن تداعيات كورونا ستستمر بالنسبة للطلب على النفط على مدار عام 2020. 

أما سلاسل التوريد العالمية المتجاوزة للحدود الوطنية والتي جعلت اقتصادات العالم أكثر ترابطا ـ فشهدت هي الأخرى تهديدات كبيرة، على سبيل المثال حذرت شركة كوالكوم أكبر شركة لتصنيع رقائق الهواتف الذكية في العالم من أن الطلب على الهواتف الذكية أصبح يمر بحالة من عدم اليقين بسبب كورونا إلى جانب نقص المواد الخام اللازمة لإنتاجها، وأغلقت مصانع هيونداي في كوريا الجنوبية بسبب نقص قطع غيار السيارات، واتخذت فيات كرايسلر إجراءات احتياطية في أحد مصانعها في أوروبا لتجنب المصير نفسه، وحذرت شركات كبرى مثل مايكروسوفت وأبل ونايكي وماستر كارد ويونايتد إيرلاينز  من أن الفيروس سيضر بالأرباح. 

وبالنسبة للنمو الاقتصادي المتوقع للعام الحالي 2020 فأكثر السناريوهات تفاؤلا ترى أنه سيتراجع بنسبة نصف في المائة عما كان متوقعا هذا العالم ليصل إلى أضعف مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009   

 وبالعودة إلى السؤال الأصلي عن إمكانية تسبب كورونا في حدوث ركود، فالإجابة وفقا لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هي أن المرض إلى الآن تطال تأثيراته قطاعات التصنيع والسفر التي لها صلة مباشرة بالمرض وبالتالي لا يمكن تسمية هذه التأثيرات ركودا، وإنما يحدث الركود إذا بدأت الشركات التي ليس لها صلة مباشرة بالفيروس في الإبلاغ عن ركود في أنشطتها.

ويتسبب الفيروس في ركود وفقا لهذا السيناريو كالتالي: مع انتشار الخوف من الفيروس، يتوقف الناس عن الذهاب إلى المطاعم ومشاهدة المباريات وتلغى الرحلات الداخلية وتصبح المنتزهات والملاهي خاوية، ومع انخفاض الإيرادات وغموض موعد استئناف الأنشطة التجارية أنشطتها، تبدأ الشركات في تسريح العمال، فيحدث تراجع عام في الإنفاق من قبل العمال المسرحين أو الذين يخشون أن يلقون المصير نفسه، وبالتالي ينخفض الطلب على قطاعات إنتاجية وخدمية أوسع، ويؤدي إلى المزيد من التخلي عن العمالة فيما يشبه موجات تتمدد في الاقتصاد العالمي، ويظل نمو الاقتصاد بطيئا حتى بعد السيطرة على تفشي المرض.    

الحقيقة أن التوقعات والمؤشرات لا يمكنها الكشف عن مدى التأثير الذي سيتسببه كورونا في الاقتصاد العالمي، ففي أوقات الاستقرار لا تكون التوقعات موثوقة، وبالتالي عندما يكون مسار انتشار الفيروس غير معروفا وفعالية جهود الاحتواء غير مؤكدة وردود فعل الشركات والمستهلكين لا يمكن التيقن بها؛ تكون مهمة تجسيد أو توقع تأثير كورونا على الاقتصاد العالمي مهمة أصعب.

خاص_الفابيتا