تشكل القوة الشرائية للأفراد أحد أكبر مكونات الطلب الاستهلاكي الخاص الذي يعد بدوره من أكبر المساهمين الحقيقيين في عوامل النمو للاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا، ولتأثيره الكبير في معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي، وهو بالفعل أحد أبرز ثلاث توصيات رئيسة توصلت إليها ورقة عمل بعنوان "أثر الاستهلاك الخاص على المتغيرات الاقتصادية الكلية"، قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بنشرها على موقعها الرسمي بنهاية 2018، تركزت تلك التوصيات حول: (1) المحافظة على السلوك الاستهلاكي مع توجيهه، ورفع مستوى المحتوى المحلي من السلع والخدمات، وبالتالي زيادة مساهمة الإنفاق الاستهلاكي الخاص بالتنمية الاقتصادية وتقليص التدفقات المالية للخارج عن طريق الواردات. (2) الاستفادة من تجارب بعض الدول في اتباعها سياسة تحفيز الاستهلاك الخاص وتوجيه هذا الاستهلاك نحو السلع والخدمات المحلية. (3) يعد الاستهلاك الخاص مساهما حقيقيا في عوامل النمو في الاقتصاد السعودي، وتأثيره في معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي.
يأتي الاهتمام هنا بهذا الجانب الحيوي، على أثر ما أظهره أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء عن الناتج المحلي الإجمالي 2019، الذي أظهر تراجع النمو السنوي للإنفاق الاستهلاكي الخاص إلى نحو 3.5 في المائة بنهاية 2019، مقارنة بنموه السنوي الأسبق بنحو 5.1 في المائة بنهاية 2018، الذي يعد ثاني أبطأ نمو له منذ 2003 بعد النمو السنوي الأدنى له خلال 2017 (2.7 في المائة)، آلت تطوراته خلال العام الماضي في نهاية المطاف إلى تراجع مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي إلى 57.1 في المائة، وقد يكون لاستمرار تراجع أعداد العمالة الوافدة وارتفاع حجم القروض العقارية التي شهدت معدلات نمو قياسية خلال العام الماضي دور كبير في تباطؤ معدلات نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص، حيث يقدر حجم الاستقطاع السنوي لسدادها خلال العام الماضي بنحو 27.4 مليار ريال، بنمو سنوي وصل أعلى من 102 في المائة مقارنة بالعام الأسبق، وبما يشكل نحو 2.4 في المائة من حجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص خلال العام الماضي، ووفقا لتطوراته المتسارعة بوتيرته الراهنة يقدر أن يرتفع ذلك الاستقطاع السنوي خلال العام الجاري إلى نحو 52 مليار ريال، بنمو سنوي سيتجاوز 89 في المائة، وترتفع نسبته إلى الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنهاية العام الجاري إلى 4.3 في المائة، وتستمر تلك النسبة في الارتفاع إذا ما استمرت وتيرة نموه على أوضاعها الراهنة إلى نحو 9 في المائة من الإنفاق الاستهلاكي الخاص بحلول 2022، والمقدر وصول إجمالي الاستقطاع السنوي لسداد القروض العقارية في ذلك العام إلى أعلى من 117.4 مليار ريال. وهو ما سيشكل بكل تأكيد زيادة الضغوط على التدفقات الداخلة على القطاع الخاص، التي ستسهم عبر الفترات المستقبلية المقبلة في الحد من هوامش أرباح منشآت القطاع؛ ما يقتضي بدوره العمل على إيجاد حلول تخفف من ضغوطها خلال تلك الفترة.
في ضوء ما تقدم ذكره، ولما يمثله الإنفاق الاستهلاكي الخاص من ثقل مهم للاقتصاد الوطني، وبالتزامن مع التحولات والتطورات الراهنة القائمة على مستوى جميع المتغيرات الاقتصادية، ولدوره المهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي من جانب، ولأهميته في المحافظة على النمو الاقتصادي عموما، ونمو القطاع الخاص خصوصا؛ كونه القطاع الذي تتوجه إليه تطلعات "رؤية المملكة 2030" لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 40 إلى 65 في المائة بحلول 2030؛ ما يؤهله على أرض الواقع أن يكون الموظف الأكبر للموارد البشرية الوطنية، والمساهمة، ومن ثم في تخفيض معدل البطالة، مضافا إليه زيادة مساهمته في الدفع بمعدلات نمو الاقتصاد الوطني، من خلال ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وضخ مزيد من الاستثمارات في الفرص الواعدة محليا، وذلك أحد أهم وأبرز المشاريع طويلة الأجل التي تعكف البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030" على تحقيقها وترجمتها على أرض الواقع. لا بد من التأكيد مجددا على حماية وتحفيز هذا المكون الرئيس، والتركيز هنا خصوصا على مكونها الأكبر ممثلا في القوة الشرائية للأفراد، من خلال عدة مسارات رئيسة، يأتي في مقدمتها ما يلي:
أولا: سرعة العمل على توطين فرص العمل المحلية المجدية من حيث الدخل والإنتاجية، وهو ما يعد بعيدا جدا عن برامج التوطين الراهنة التي تستهدف الكم على حساب الكيف، الذي بتحققه سنشهد تحسنا كبيرا في مستويات دخل المواطنين والمواطنات على حد سواء، سيزيد قدرة الإنفاق الاستهلاكي الخاص للأفراد على السلع والمنتجات والخدمات محليا، وفي الوقت ذاته سيقلص تسرب الأموال إلى خارج الحدود.
ثانيا: المبادرة بالعمل على تقليص نسب استقطاع القروض طويلة الأجل من دخل الأفراد، وتحديدا القروض العقارية التي تراوح نسب استقطاعها من الدخل الشهري للمقترض خلال الفترة الراهنة بين 50 و65 في المائة، في الوقت الذي وصلت فيه أعداد المقترضين عقاريا حتى نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى نحو 421.4 ألف مقترض. سيكون مهما جدا أن يتم العمل المتكامل بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة على خفض نسب الاستقطاع بما لا يتجاوز 35 إلى 40 في المائة في أصعب الأحوال، وهو ما يتطلب في الوقت ذاته تحركا أسرع على مستوى العمل لخفض الأسعار المتضخمة للمساكن والأراضي، بما يسهم في تسهيل قدرة التملك للمواطن من جانب، وبما يخفض حجم التمويل العقاري اللازم لتملك المساكن، والمساهمة بصورة أكبر في خفض المخاطر على القطاع التمويلي، وخفض فاتورة الدعم الحكومي لتلك القروض العقارية.
ختاما؛ يعني اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتحفيز القوة الشرائية للأفراد، حماية وتحفيزا لاستقرار الاقتصاد الوطني واستدامة نموه بشكل عام، وللقطاع الخاص خصوصا، عدا ما يمثله ذلك من أهمية قصوى لرفع جاذبية بيئة الاستثمار المحلية أمام المدخرات الوطنية والاستثمارات الأجنبية، التي ستتنامى مقابل تنامي الطلب الاستهلاكي الخاص محليا، وكل ذلك سيسهم في زيادة فرص الاستثمار والعمل على حد سواء، ويحسّن بدرجة كبيرة مستويات الدخل والمعيشة وجودة الحياة، وهو على العكس تماما من نهاية المسار الراهن الذي بدأت مؤشراته بالظهور مبكرا، وأصبح واجبا العمل على معالجتها فورا قبل أن تتسع دائرتها وآثارها العكسية.
نقلا عن الاقتصادية
يأتي الاهتمام هنا بهذا الجانب الحيوي، على أثر ما أظهره أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء عن الناتج المحلي الإجمالي 2019، الذي أظهر تراجع النمو السنوي للإنفاق الاستهلاكي الخاص إلى نحو 3.5 في المائة بنهاية 2019، مقارنة بنموه السنوي الأسبق بنحو 5.1 في المائة بنهاية 2018، الذي يعد ثاني أبطأ نمو له منذ 2003 بعد النمو السنوي الأدنى له خلال 2017 (2.7 في المائة)، آلت تطوراته خلال العام الماضي في نهاية المطاف إلى تراجع مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي إلى 57.1 في المائة، وقد يكون لاستمرار تراجع أعداد العمالة الوافدة وارتفاع حجم القروض العقارية التي شهدت معدلات نمو قياسية خلال العام الماضي دور كبير في تباطؤ معدلات نمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص، حيث يقدر حجم الاستقطاع السنوي لسدادها خلال العام الماضي بنحو 27.4 مليار ريال، بنمو سنوي وصل أعلى من 102 في المائة مقارنة بالعام الأسبق، وبما يشكل نحو 2.4 في المائة من حجم الإنفاق الاستهلاكي الخاص خلال العام الماضي، ووفقا لتطوراته المتسارعة بوتيرته الراهنة يقدر أن يرتفع ذلك الاستقطاع السنوي خلال العام الجاري إلى نحو 52 مليار ريال، بنمو سنوي سيتجاوز 89 في المائة، وترتفع نسبته إلى الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنهاية العام الجاري إلى 4.3 في المائة، وتستمر تلك النسبة في الارتفاع إذا ما استمرت وتيرة نموه على أوضاعها الراهنة إلى نحو 9 في المائة من الإنفاق الاستهلاكي الخاص بحلول 2022، والمقدر وصول إجمالي الاستقطاع السنوي لسداد القروض العقارية في ذلك العام إلى أعلى من 117.4 مليار ريال. وهو ما سيشكل بكل تأكيد زيادة الضغوط على التدفقات الداخلة على القطاع الخاص، التي ستسهم عبر الفترات المستقبلية المقبلة في الحد من هوامش أرباح منشآت القطاع؛ ما يقتضي بدوره العمل على إيجاد حلول تخفف من ضغوطها خلال تلك الفترة.
في ضوء ما تقدم ذكره، ولما يمثله الإنفاق الاستهلاكي الخاص من ثقل مهم للاقتصاد الوطني، وبالتزامن مع التحولات والتطورات الراهنة القائمة على مستوى جميع المتغيرات الاقتصادية، ولدوره المهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي من جانب، ولأهميته في المحافظة على النمو الاقتصادي عموما، ونمو القطاع الخاص خصوصا؛ كونه القطاع الذي تتوجه إليه تطلعات "رؤية المملكة 2030" لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 40 إلى 65 في المائة بحلول 2030؛ ما يؤهله على أرض الواقع أن يكون الموظف الأكبر للموارد البشرية الوطنية، والمساهمة، ومن ثم في تخفيض معدل البطالة، مضافا إليه زيادة مساهمته في الدفع بمعدلات نمو الاقتصاد الوطني، من خلال ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وضخ مزيد من الاستثمارات في الفرص الواعدة محليا، وذلك أحد أهم وأبرز المشاريع طويلة الأجل التي تعكف البرامج التنفيذية لـ"رؤية المملكة 2030" على تحقيقها وترجمتها على أرض الواقع. لا بد من التأكيد مجددا على حماية وتحفيز هذا المكون الرئيس، والتركيز هنا خصوصا على مكونها الأكبر ممثلا في القوة الشرائية للأفراد، من خلال عدة مسارات رئيسة، يأتي في مقدمتها ما يلي:
أولا: سرعة العمل على توطين فرص العمل المحلية المجدية من حيث الدخل والإنتاجية، وهو ما يعد بعيدا جدا عن برامج التوطين الراهنة التي تستهدف الكم على حساب الكيف، الذي بتحققه سنشهد تحسنا كبيرا في مستويات دخل المواطنين والمواطنات على حد سواء، سيزيد قدرة الإنفاق الاستهلاكي الخاص للأفراد على السلع والمنتجات والخدمات محليا، وفي الوقت ذاته سيقلص تسرب الأموال إلى خارج الحدود.
ثانيا: المبادرة بالعمل على تقليص نسب استقطاع القروض طويلة الأجل من دخل الأفراد، وتحديدا القروض العقارية التي تراوح نسب استقطاعها من الدخل الشهري للمقترض خلال الفترة الراهنة بين 50 و65 في المائة، في الوقت الذي وصلت فيه أعداد المقترضين عقاريا حتى نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى نحو 421.4 ألف مقترض. سيكون مهما جدا أن يتم العمل المتكامل بين الأجهزة الحكومية ذات العلاقة على خفض نسب الاستقطاع بما لا يتجاوز 35 إلى 40 في المائة في أصعب الأحوال، وهو ما يتطلب في الوقت ذاته تحركا أسرع على مستوى العمل لخفض الأسعار المتضخمة للمساكن والأراضي، بما يسهم في تسهيل قدرة التملك للمواطن من جانب، وبما يخفض حجم التمويل العقاري اللازم لتملك المساكن، والمساهمة بصورة أكبر في خفض المخاطر على القطاع التمويلي، وخفض فاتورة الدعم الحكومي لتلك القروض العقارية.
ختاما؛ يعني اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتحفيز القوة الشرائية للأفراد، حماية وتحفيزا لاستقرار الاقتصاد الوطني واستدامة نموه بشكل عام، وللقطاع الخاص خصوصا، عدا ما يمثله ذلك من أهمية قصوى لرفع جاذبية بيئة الاستثمار المحلية أمام المدخرات الوطنية والاستثمارات الأجنبية، التي ستتنامى مقابل تنامي الطلب الاستهلاكي الخاص محليا، وكل ذلك سيسهم في زيادة فرص الاستثمار والعمل على حد سواء، ويحسّن بدرجة كبيرة مستويات الدخل والمعيشة وجودة الحياة، وهو على العكس تماما من نهاية المسار الراهن الذي بدأت مؤشراته بالظهور مبكرا، وأصبح واجبا العمل على معالجتها فورا قبل أن تتسع دائرتها وآثارها العكسية.
نقلا عن الاقتصادية