في كل عام يستضيف منتدى الطاقة العالمي في الرياض، ندوة تجمع بين وكالة الطاقة الدولية كممثل IEA و"أوبك" كتجمع يمثل المصدرين والمستهلكين في الدول المتقدمة. حضرت الندوة وقرأت ورقة تعريفية تقارن بين رؤية "أوبك" و"الوكالة". مضت خمسة أعوام تقريبا على انخفاض أسعار النفط، وارتفعت وتيرة الحديث عن التحديات البيئية، وتقلصت تكاليف الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، لما لذلك من تأثير في قطاع المواصلات، وأيضا ازدادت القناعة بتكامل مصادر الطاقة والتعاون الدولي، كما شهدت هذه الندوة مبادرة وزارة الطاقة بتدوير الكربون. كذلك تمت مناقشة أبحاث متخصصة في مختلف أوجه الطاقة وتحدياتها، من قبل عدة جهات متخصصة ومستقلة، كما حضر وزير الطاقة جزءا من هذه النقاشات.
رأيت أن هذه الورقة مفيدة، لأن السياسات تعتمد في الأخير على المعلومات كما يراها المصدرون والمستهلكون. الورقة جاءت نتيجة حوار بين المختصين، للاتفاق حول المرجعيات الإحصائية والتصنيفات الجغرافية، وتعريف أدق لأنواع الوقود. الأرقام كثيرة، لذلك في هذا المقال سأكتفي بما أرى أنه أكثر علاقة بالتأثير الاقتصادي فينا على الأجل المتوسط، فالسوائل هي الأكثر تأثيرا في اقتصاد المملكة.
كلتاهما قلصت توقعاتها حول النمو الاقتصادي العالمي، توقعت الوكالة تغيرا من نهاية 2018 من 4.1 في المائة إلى 3.4 حاليا و"أوبك" من 3.5 إلى 3 بما لذلك من تأثير في الطلب. فقلصت "أوبك" توقعاتها لطلب السوائل لعام 2019 مما "لم يتم إعلان الأرقام" إلى 100.2 مليون برميل في اليوم (الوكالة) إلى 99.8 لـ"أوبك"، ولكن كلتيهما توقعت أن يزيد الطلب على 100 لعام 2020، "الوكالة" تتوقع ارتفاع الطلب 1.2، بينما "أوبك" 1.1، يقابل ذلك عرض 101.5 لـ"الوكالة" و100.9 لـ"أوبك". تتوقع "أوبك" ارتفاع طلب الصين 0.3، بينما الوكالة 0.4. التوقعات بعيدة المدى لعام 2040 تختلف، لأنها مبنية على عدة سيناريوهات خاصة بـ"الوكالة"، لأن التشريعات والتقنية والنمو الاقتصادي والسكاني والفاعلية في توظيف الطاقة تتداخل بأشكال يصعب التنبؤ بها، فمثلا تتوقع "الوكالة" أن ينقص الطلب في 2040 بأربعة ملايين برميل، ولكن ممكن أن تعوض من السفن والطائرات. ولكن على الرغم من الضبابية المتوقعة إلا أنها مهمة لصناع القرار، وكل مهتم بتبعات التغيرات في الأسعار الحقيقية والمداخيل.
ربما أخرجت الورقة قبل ظاهرة فيروس "كورونا" الجديد في الصين أكبر مستورد للنفط وثاني أكبر مستهلك. فهذه "وزة سوداء" في عالم التوقعات غير المحسوبة، وبالتالي ضبابية التوقعات في عالم معقد. لفت نظري التوقع المتوسط 2024 حيث هناك مقاربة في الطلب بين الصين والهند من ناحية مع الطلب في الشرق الأوسط، وإفريقيا وأمريكا الجنوبية عند نحو 21 مليون برميل. إجمالا ليس هناك اختلافات مؤثرة في المديين القصير والمتوسط، ولذلك سيبقى الطلب يعتمد على النمو الاقتصادي محركا أساسيا للأسعار. الطاقة ستستمر مركزية في كل نواحي الحياة الاقتصادية، وسيستمر النفط أحد أهم مصادر الطاقة، ولكن الأهم لنا مدى محافظة النفط على سعر حقيقي يتوازى مع قدرتنا على التحول الاقتصادي في ظل توازن مالي سلس. لم تناقش الندوة السعر الحقيقي للنفط، أو تذكر توقعات للأسعار الاسمية لكبار المصدرين أو المستهلكين.
حاولت "أوبك" مع آخرين، خاصة روسيا السيطرة على التذبذب في أسعار النفط نتيجة ارتفاع العرض وتباطؤ الطلب، بسبب تراجع نسبة النمو الاقتصادي في الدول النامية المؤثرة وتبعات النزاعات التجارية. ستستمر الأسعار متأثرة بقرارات "أوبك" والمصدرين الآخرين. لكن الأهم أنه دون تغير تقني/ اقتصادي جوهري. سيحافظ النفط مع المصادر الأحفورية الأخرى على دور رئيس في معادلة الطاقة العالمية حتى 2040، أحد مصادر التغير في مصادر الطاقة التحديات البيئية، خاصة أن الدول النامية المؤثرة بدأت الاهتمام بجودة الحياة، ومنها الهواء النقي حين يرتفع مستوى المعيشة.
الأرقام والمعلومات مادة التحليل الاقتصادي، ولكنها في الأخير نتيجة مجمل السياسات والتصرفات والتشريعات والخيارات، ولذلك ما تسعى إليه المملكة ممثلة بوزارة الطاقة في القيادة، ولكن بجهد تعاوني من جهات كثيرة في القطاعين، ووعي بإعادة التمركز الاقتصادي والمالي، خاصة أن لدى وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان رؤية واضحة لخريطة الطاقة وإدارة التحول في اقتصاداتها في المملكة ماديا وبشريا. أحد ثمرات التوجه الجديد تحت مظلة اللجنة العليا للمواد الهيدروكربونية، التي يرأسها ولي العهد، برنامج تحويل النفط إلى مواد بتروكيماوية ومبادرة تدوير الكربون.
نقلا عن الاقتصادية