تركز الحديث حول ضرورة ضبط وترشيد تحفيز ودعم القطاع الخاص في ضوء المبادرات المتتالية طوال العامين الأخيرين التي جاء أغلب بنودها حاملا استثناء كثير من منشآت القطاع الخاص من الالتزام بالأنظمة والبرامج التنفيذية لـ"رؤية 2030" لفترات زمنية امتد بعضها إلى خمسة أعوام، وبحد أدنى عامين مقبلين، كالرسوم على العمالة الوافدة ومرافقيهم، الرسوم على الأراضي البيضاء، الرسوم على الخدمات البلدية، تكاليف استهلاك مصادر الطاقة بأنواعها كافة، وغيرها من الأعباء والتكاليف اللازم تحملها من قبل منشآت القطاع الخاص.
ويتسم ذلك الضبط والترشيد المنشود بثلاثة اعتبارات رئيسة: (1) بحث ودراسة وتقييم المكتسبات والأعباء التي ستترتب عليها تلك المبادرات على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، ووضع المصلحة العامة هنا في المقام الأول قبل أي اعتبار آخر.
(2) يتم تقدير الآثار الكلية في الأنظمة والبرامج والإجراءات التي أقرتها الدولة -أيدها الله- مقابل تلك الاستثناءات التي حملتها المبادرات المقترحة، والعمل على تقييد تلك الآثار ضمن أضيق حدود ممكنة بهدف حماية الأنظمة والبرامج والإجراءات المقررة من عدم العمل بها، والعودة إلى المربع الأول وكأنما لم يتم تنفيذ أي منها طوال فترة الإصلاحات.
(3) ألا يترتب على تلك الاستثناءات مساواة منشآت القطاع الخاص التي التزمت كما يجب بالأنظمة والبرامج والإجراءات التي أقرتها الدولة بغيرها من المنشآت المقصرة والمتأخرة التي لم تلتزم مثلها، ولا يتحول العمل بتلك الاستثناءات إلى ما يشبه المكافأة للمنشآت غير الملتزمة على حساب المنشآت الملتزمة.
يجب التوقف كثيرا بعناية واهتمام أكبر أمام الوزن الثقيل للتحديات التنموية التي نواجهها وأمام الطموحات الكبيرة جدا التي نسعى جميعا إلى الوصول إليها في منظور العقد الراهن، والتأكد أن ارتفاع كعب التساهل ومنح الاستثناءات بهذه الوتيرة المتسارعة وغير المقيدة بضوابط صارمة، من شأنه أن يتسبب في تأخر تجاوزنا للتحديات الراهنة، وفي الوقت ذاته قد يمنع الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها "رؤية المملكة 2030"، وهو بكل تأكيد ما يقبل النقاش حوله من قبل الأطراف كافة، سواء لدى الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بتلك البرامج والإصلاحات، أو منشآت القطاع الخاص.
فرسوم العمالة الوافدة ومرافقيهم ترتبط بتحدي البطالة وضرورة الإسراع بخفض معدلها بين المواطنين والمواطنات بما تمثله من أهمية إلى جانب بقية السياسات والبرامج الهادفة إلى رفع معدلات توطين الوظائف في القطاع الخاص، ما يعني بدوره أنه كلما تم منح مزيد من الاستثناءات في هذا الجانب انعكس في جانب آخر بالتأخر في مسار سرعة توطين الوظائف، وتأخر مواجهة تحدي البطالة كما كان مستهدفا حينما تم إقرار تلك الرسوم وغيرها من برامج التوطين.
وكذلك الحال بالنسبة للرسوم على الأراضي البيضاء التي استهدف إقرارها محاربة أشكال احتكار الأراضي كافة، والقضاء على ما نتج عنه من تضخم غير مبرر في أسعار الأراضي والمساكن وتكاليف إيجاراتها، ما أفضى إلى تشكل عديد من التحديات الجسيمة أمام قدرة المواطن على تملك مسكنه، وأي تأخير في هذا الجانب خاصة مع ارتفاع مستويات الائتمان العقاري أخيرا، يعني عودة الأسعار إلى الارتفاع مجددا وهو ما حدث فعلا خلال عام مضى وما زال حتى تاريخه الذي سيرتب عليه مزيد من تضخم أسعار الأراضي والمساكن، ومزيد من ارتفاع حجم القروض والأعباء المالية على كاهل أغلبية أفراد المجتمع، ويقلص بدوره في منظور العقدين المقبلين من القوة الشرائية للأفراد والطلب الاستهلاكي المحلي، والتقاء تلك التطورات غير المرغوب فيها مع ضعف التدفقات الداخلة على منشآت القطاع الخاص، وما يحمله ذلك من آثار سلبية في عديد من المستويات، من أهمها اتساع ضعف قدرة القطاع الخاص على التوظيف، وقد تصل بها الأوضاع إلى الاستغناء عن خدمات عمالتها الوطنية، وكلا الأمرين سيسهم بكل تأكيد في زيادة معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، عدا ارتفاع تكاليف التشغيل والإنتاج على تلك المنشآت، وما يمثله كل ذلك من احتمال ارتفاع درجات المخاطر على القطاع التمويلي، وهو الأمر بأكمله الذي نحن جميعا في غنى تام عن حدوثه أو حدوث أي جزء منه.
وقس مخاطر كل ما تقدم ذكره أعلاه على بقية التحديات التنموية الأخرى، وجميع الأهداف التنموية طويلة الأجل التي تم وضعها في صفحات "رؤية المملكة 2030"، وما تمثله مجتمعة من معوقات أمام النمو الاقتصادي المستدام، والتوازن المستهدف للميزانية العامة، والسيطرة أكثر على مستويات العجز والدين العام، إضافة إلى تحقيق الاستدامة المالية، والتنويع في قاعدة الإنتاج المحلية، والعمل بخطى متسارعة نحو تخفيف الاعتماد الراهن على مصادر الدخل المتحققة من النفط، وكثير من الأهداف والتطلعات التي لا يمكن لأي استثناءات مهما حملته من تبريرات أن تقنع أيا من الأطراف كافة بالتخلي عن تحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية المهمة جدا لحاضرنا ومستقبلنا جميعا.
نقلا عن الاقتصادية
ويتسم ذلك الضبط والترشيد المنشود بثلاثة اعتبارات رئيسة: (1) بحث ودراسة وتقييم المكتسبات والأعباء التي ستترتب عليها تلك المبادرات على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، ووضع المصلحة العامة هنا في المقام الأول قبل أي اعتبار آخر.
(2) يتم تقدير الآثار الكلية في الأنظمة والبرامج والإجراءات التي أقرتها الدولة -أيدها الله- مقابل تلك الاستثناءات التي حملتها المبادرات المقترحة، والعمل على تقييد تلك الآثار ضمن أضيق حدود ممكنة بهدف حماية الأنظمة والبرامج والإجراءات المقررة من عدم العمل بها، والعودة إلى المربع الأول وكأنما لم يتم تنفيذ أي منها طوال فترة الإصلاحات.
(3) ألا يترتب على تلك الاستثناءات مساواة منشآت القطاع الخاص التي التزمت كما يجب بالأنظمة والبرامج والإجراءات التي أقرتها الدولة بغيرها من المنشآت المقصرة والمتأخرة التي لم تلتزم مثلها، ولا يتحول العمل بتلك الاستثناءات إلى ما يشبه المكافأة للمنشآت غير الملتزمة على حساب المنشآت الملتزمة.
يجب التوقف كثيرا بعناية واهتمام أكبر أمام الوزن الثقيل للتحديات التنموية التي نواجهها وأمام الطموحات الكبيرة جدا التي نسعى جميعا إلى الوصول إليها في منظور العقد الراهن، والتأكد أن ارتفاع كعب التساهل ومنح الاستثناءات بهذه الوتيرة المتسارعة وغير المقيدة بضوابط صارمة، من شأنه أن يتسبب في تأخر تجاوزنا للتحديات الراهنة، وفي الوقت ذاته قد يمنع الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها "رؤية المملكة 2030"، وهو بكل تأكيد ما يقبل النقاش حوله من قبل الأطراف كافة، سواء لدى الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بتلك البرامج والإصلاحات، أو منشآت القطاع الخاص.
فرسوم العمالة الوافدة ومرافقيهم ترتبط بتحدي البطالة وضرورة الإسراع بخفض معدلها بين المواطنين والمواطنات بما تمثله من أهمية إلى جانب بقية السياسات والبرامج الهادفة إلى رفع معدلات توطين الوظائف في القطاع الخاص، ما يعني بدوره أنه كلما تم منح مزيد من الاستثناءات في هذا الجانب انعكس في جانب آخر بالتأخر في مسار سرعة توطين الوظائف، وتأخر مواجهة تحدي البطالة كما كان مستهدفا حينما تم إقرار تلك الرسوم وغيرها من برامج التوطين.
وكذلك الحال بالنسبة للرسوم على الأراضي البيضاء التي استهدف إقرارها محاربة أشكال احتكار الأراضي كافة، والقضاء على ما نتج عنه من تضخم غير مبرر في أسعار الأراضي والمساكن وتكاليف إيجاراتها، ما أفضى إلى تشكل عديد من التحديات الجسيمة أمام قدرة المواطن على تملك مسكنه، وأي تأخير في هذا الجانب خاصة مع ارتفاع مستويات الائتمان العقاري أخيرا، يعني عودة الأسعار إلى الارتفاع مجددا وهو ما حدث فعلا خلال عام مضى وما زال حتى تاريخه الذي سيرتب عليه مزيد من تضخم أسعار الأراضي والمساكن، ومزيد من ارتفاع حجم القروض والأعباء المالية على كاهل أغلبية أفراد المجتمع، ويقلص بدوره في منظور العقدين المقبلين من القوة الشرائية للأفراد والطلب الاستهلاكي المحلي، والتقاء تلك التطورات غير المرغوب فيها مع ضعف التدفقات الداخلة على منشآت القطاع الخاص، وما يحمله ذلك من آثار سلبية في عديد من المستويات، من أهمها اتساع ضعف قدرة القطاع الخاص على التوظيف، وقد تصل بها الأوضاع إلى الاستغناء عن خدمات عمالتها الوطنية، وكلا الأمرين سيسهم بكل تأكيد في زيادة معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، عدا ارتفاع تكاليف التشغيل والإنتاج على تلك المنشآت، وما يمثله كل ذلك من احتمال ارتفاع درجات المخاطر على القطاع التمويلي، وهو الأمر بأكمله الذي نحن جميعا في غنى تام عن حدوثه أو حدوث أي جزء منه.
وقس مخاطر كل ما تقدم ذكره أعلاه على بقية التحديات التنموية الأخرى، وجميع الأهداف التنموية طويلة الأجل التي تم وضعها في صفحات "رؤية المملكة 2030"، وما تمثله مجتمعة من معوقات أمام النمو الاقتصادي المستدام، والتوازن المستهدف للميزانية العامة، والسيطرة أكثر على مستويات العجز والدين العام، إضافة إلى تحقيق الاستدامة المالية، والتنويع في قاعدة الإنتاج المحلية، والعمل بخطى متسارعة نحو تخفيف الاعتماد الراهن على مصادر الدخل المتحققة من النفط، وكثير من الأهداف والتطلعات التي لا يمكن لأي استثناءات مهما حملته من تبريرات أن تقنع أيا من الأطراف كافة بالتخلي عن تحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية المهمة جدا لحاضرنا ومستقبلنا جميعا.
نقلا عن الاقتصادية