نشر صندوق النقد الدولي أخيرا تقريرا بعنوان: "مستقبل النفط والاستدامة المالية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي"، تضمن كثيرا من الآراء والتوقعات البعيدة جدا عن واقع التحولات الجاري العمل عليها في دول المجلس، وتحديدا في المملكة، التي استبقت تحذيرات التقرير بأكثر من أربعة أعوام مضت، ووضعت لها رؤية استراتيجية شاملة حتى 2030، كان من أخطر ما ورد في التقرير من استنتاجات بعيدة جدا عن الصواب، توقعه أن دول المجلس ستصل إلى نقطة استنزاف ثروتها المالية بحلول عام 2034.
تم بناء هذا الاستنتاج المتحيز في التقرير بناء على ما تمر به سوق النفط العالمية من تغييرات أساسية، تتولى فيها التقنيات الحديثة العمل على زيادة إمدادات النفط من المصادر القديمة والجديدة، في الوقت ذاته الذي يندفع فيه العالم نحو الابتعاد تدريجيا عن النفط، نتيجة المخاوف المتزايدة بشأن البيئة، الأمر الذي يمثل بدوره تحديا كبيرا لعموم الدول المصدرة للنفط، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي التي تمثل بإنتاجها مجتمعة خمس إنتاج النفط في العالم. ووفقا للتقرير؛ فإن دول مجلس التعاون الخليجي أدركت كل تلك التحولات المستقبلية، وبناء عليه قامت بوضع برامج وخطط استهدفت تقليل اعتمادها على النفط، وقيامها جميعها بتنفيذ إصلاحات لأجل تنويع اقتصاداتها، وتنويع إيراداتها المالية والخارجية، ورغم كل ذلك، رجح التقرير أن من المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته في العقدين المقبلين.
وتوصل التقرير في نهايته إلى عدة استنتاجات في تحيز لافت على الرغم من إقراره بأهمية الإصلاحات عموما الجارية في دول المجلس، ودون إدراك دقيق منه لعمق الإصلاحات الكبرى الجاري العمل على تنفيذها في المملكة على وجه الخصوص، بنى التقرير تلك الاستنتاجات بناء على ثلاثة اعتبارات رئيسة: 1 - منهجية التنوع الاقتصادي الأسرع وتيرة كما يطالب بها التقرير نفسه لن تؤدي إلى حل التحدي المالي بمفرده. 2 - احتمال أن تحتاج الحكومات إلى تقليص حجمها. 3 - يجب على الدول إعادة تقييم منهجيتها المتعلقة بالادخار.
تبلورت تلك الاستنتاجات في: 1 - ضرورة تسريع خطوات التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص بصورة أسرع مما هو قائم الآن. ثم يؤكد التقرير 2 - أنه حتى مع ذلك التنويع السريع الذي يطالب به ستكون هناك حاجة إلى تعديل مالي كبير في الأجل الطويل، يتطلب تكثيف جهود دول المجلس لزيادة الإيرادات المالية غير النفطية، وتخفيض النفقات الحكومية، وإعطاء الأولوية للادخار المالي، وأن التحدي الأكبر يتمثل في إدارة الانتقال الاقتصادي الأوسع. مختتما استنتاجاته بتحذيره 3 - إن مستقبل النفط في الأجل الطويل سيحمل عديدا من العواقب الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في العمالة ودخل الأسر وثقة الأعمال والاستثمار، مطالبا من وجهة نظره ببذل مزيد من العمل لأجل الفهم الكامل لتلك العواقب، وتصميم استراتيجيات تخفيف صدماتها، وبناء الإجماع الاجتماعي اللازم لأجل تنفيذها.
العيوب التي طغت على التقرير عديدة لعل أهمها ثلاثة عيوب رئيسة:
الأول: انطلق في كل تقديراته وتوقعاته المستقبلية المتعلقة بسوق النفط من جانب أحادي، هو ذلك الجانب المتعلق برؤية المستوردين له فقط.
الثاني: انطلاق التقرير في جميع توقعاته وتوصياته الخاصة بدول المجلس فقط على فرضية الدخل الدائم PIH.
الثالث: عدم الإلمام الدقيق بالإصلاحات الجذرية الجاري العمل على تنفيذها في عموم دول المجلس، وفي المملكة خصوصا وهي الإصلاحات الواسعة والجذرية التي استبقت التقرير بأكثر من أربعة أعوام مضت.
هذه العيوب وغيرها طغت على التقرير، فكان طبيعيا جدا أن تأتي بالنتائج غير الدقيقة والمتحيزة حتى فيما يتعلق بتوصياته غير القابلة للتطبيق في أغلب اقتصادات دول أخرى. من السهل جدا أن تندفع نحو طموحات متفائلة جدا، أو توقعات متشائمة جدا، طالما ينقصه كثير من الحقائق والبيانات اللازمة، وهو ما أقر به التقرير في أكثر من مقام في صفحاته، وفي غياب تلك الحقائق والبيانات اللازمة، لا بد أن يقع الفاقد لتلك الأسس والركائز في أخطاء كثيرة بكل تأكيد.
يدرك الجميع في دول المجلس، وفي المملكة تحديدا أن التنمية والاقتصاد عانا كثيرا طوال نصف قرن مضى، وأن التحديات المستقبلية كثيرة جدا، وأن دوام حالها على ما كانت عليه أقرب إلى المستحيل إن لم يكن هو المستحيل بعينه، وأنها أيضا أوجدت تشوهات هيكلية بالغة الضرر، ولهذا جاءت رؤية الإصلاحات الشاملة في المملكة 2030، متضمنة برامج تنفيذية واسعة جدا، لم يتطرق التقرير لها إلا كعنوان شارد، ولو أن معدي التقرير بذلوا بعض الجهد في هذا الخصوص، لرأينا التقرير قد حمل بعض وجاهة النظر والدقة في توقعاته وتوصياته، وهو مع الأسف ما لم يحدث بإقرار صريح وواضح من معدي التقرير أنفسهم.
سيكون من المفيد أن تقوم الأجهزة الاقتصادية والمالية لدينا بدعوة فريق عمل التقرير إلى هنا، وتقديم عروض موجزة لـ"رؤية المملكة" والبرامج التنفيذية تحت مظلتها، وكأني أرى المفاجأة على وجوههم حال علمهم على سبيل المثال أن المملكة في خصوص جهودها المبذولة على مستوى رفع كفاءة الطاقة، تستهدف بحلول 2030 تحقيق وفورات مالية تتجاوز 1.5 تريليون ريال، وهو الجانب الذي تطرق إليه التقرير كثيرا، وراهن على آثاره العكسية المتوقعة على دول المجلس.
ندرك هنا في المملكة حجم التحديات، التي تركزت أسطر التقرير عليها، وندرك أيضا حجم الفرص الاستثمارية الهائلة والواعدة التي تنتظرنا، التي لم يشر إليها التقرير برقم أو حرف واحد، وندرك أيضا أن مسيرة الإصلاح الراهنة كما أنها تحمل منجزات، فقد تحمل بعض أوجه القصور أو الخطأ، ولهذا فهي خاضعة لأعلى إجراءات الحوكمة والمراجعة الدورية بإشراف مباشر من لدن القيادة العليا - أيدها الله - للقيام بالمعالجة الفورية حال وجود أي من تلك الانحرافات، واهتمام كبير وسعي حثيث لا يستسلم أمام المعوقات والتحديات، وصولا بإذن الله تعالى إلى الأهداف النهائية المحددة لـ"رؤية المملكة 2030".
نقلا عن الاقتصادية
تم بناء هذا الاستنتاج المتحيز في التقرير بناء على ما تمر به سوق النفط العالمية من تغييرات أساسية، تتولى فيها التقنيات الحديثة العمل على زيادة إمدادات النفط من المصادر القديمة والجديدة، في الوقت ذاته الذي يندفع فيه العالم نحو الابتعاد تدريجيا عن النفط، نتيجة المخاوف المتزايدة بشأن البيئة، الأمر الذي يمثل بدوره تحديا كبيرا لعموم الدول المصدرة للنفط، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي التي تمثل بإنتاجها مجتمعة خمس إنتاج النفط في العالم. ووفقا للتقرير؛ فإن دول مجلس التعاون الخليجي أدركت كل تلك التحولات المستقبلية، وبناء عليه قامت بوضع برامج وخطط استهدفت تقليل اعتمادها على النفط، وقيامها جميعها بتنفيذ إصلاحات لأجل تنويع اقتصاداتها، وتنويع إيراداتها المالية والخارجية، ورغم كل ذلك، رجح التقرير أن من المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته في العقدين المقبلين.
وتوصل التقرير في نهايته إلى عدة استنتاجات في تحيز لافت على الرغم من إقراره بأهمية الإصلاحات عموما الجارية في دول المجلس، ودون إدراك دقيق منه لعمق الإصلاحات الكبرى الجاري العمل على تنفيذها في المملكة على وجه الخصوص، بنى التقرير تلك الاستنتاجات بناء على ثلاثة اعتبارات رئيسة: 1 - منهجية التنوع الاقتصادي الأسرع وتيرة كما يطالب بها التقرير نفسه لن تؤدي إلى حل التحدي المالي بمفرده. 2 - احتمال أن تحتاج الحكومات إلى تقليص حجمها. 3 - يجب على الدول إعادة تقييم منهجيتها المتعلقة بالادخار.
تبلورت تلك الاستنتاجات في: 1 - ضرورة تسريع خطوات التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص بصورة أسرع مما هو قائم الآن. ثم يؤكد التقرير 2 - أنه حتى مع ذلك التنويع السريع الذي يطالب به ستكون هناك حاجة إلى تعديل مالي كبير في الأجل الطويل، يتطلب تكثيف جهود دول المجلس لزيادة الإيرادات المالية غير النفطية، وتخفيض النفقات الحكومية، وإعطاء الأولوية للادخار المالي، وأن التحدي الأكبر يتمثل في إدارة الانتقال الاقتصادي الأوسع. مختتما استنتاجاته بتحذيره 3 - إن مستقبل النفط في الأجل الطويل سيحمل عديدا من العواقب الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في العمالة ودخل الأسر وثقة الأعمال والاستثمار، مطالبا من وجهة نظره ببذل مزيد من العمل لأجل الفهم الكامل لتلك العواقب، وتصميم استراتيجيات تخفيف صدماتها، وبناء الإجماع الاجتماعي اللازم لأجل تنفيذها.
العيوب التي طغت على التقرير عديدة لعل أهمها ثلاثة عيوب رئيسة:
الأول: انطلق في كل تقديراته وتوقعاته المستقبلية المتعلقة بسوق النفط من جانب أحادي، هو ذلك الجانب المتعلق برؤية المستوردين له فقط.
الثاني: انطلاق التقرير في جميع توقعاته وتوصياته الخاصة بدول المجلس فقط على فرضية الدخل الدائم PIH.
الثالث: عدم الإلمام الدقيق بالإصلاحات الجذرية الجاري العمل على تنفيذها في عموم دول المجلس، وفي المملكة خصوصا وهي الإصلاحات الواسعة والجذرية التي استبقت التقرير بأكثر من أربعة أعوام مضت.
هذه العيوب وغيرها طغت على التقرير، فكان طبيعيا جدا أن تأتي بالنتائج غير الدقيقة والمتحيزة حتى فيما يتعلق بتوصياته غير القابلة للتطبيق في أغلب اقتصادات دول أخرى. من السهل جدا أن تندفع نحو طموحات متفائلة جدا، أو توقعات متشائمة جدا، طالما ينقصه كثير من الحقائق والبيانات اللازمة، وهو ما أقر به التقرير في أكثر من مقام في صفحاته، وفي غياب تلك الحقائق والبيانات اللازمة، لا بد أن يقع الفاقد لتلك الأسس والركائز في أخطاء كثيرة بكل تأكيد.
يدرك الجميع في دول المجلس، وفي المملكة تحديدا أن التنمية والاقتصاد عانا كثيرا طوال نصف قرن مضى، وأن التحديات المستقبلية كثيرة جدا، وأن دوام حالها على ما كانت عليه أقرب إلى المستحيل إن لم يكن هو المستحيل بعينه، وأنها أيضا أوجدت تشوهات هيكلية بالغة الضرر، ولهذا جاءت رؤية الإصلاحات الشاملة في المملكة 2030، متضمنة برامج تنفيذية واسعة جدا، لم يتطرق التقرير لها إلا كعنوان شارد، ولو أن معدي التقرير بذلوا بعض الجهد في هذا الخصوص، لرأينا التقرير قد حمل بعض وجاهة النظر والدقة في توقعاته وتوصياته، وهو مع الأسف ما لم يحدث بإقرار صريح وواضح من معدي التقرير أنفسهم.
سيكون من المفيد أن تقوم الأجهزة الاقتصادية والمالية لدينا بدعوة فريق عمل التقرير إلى هنا، وتقديم عروض موجزة لـ"رؤية المملكة" والبرامج التنفيذية تحت مظلتها، وكأني أرى المفاجأة على وجوههم حال علمهم على سبيل المثال أن المملكة في خصوص جهودها المبذولة على مستوى رفع كفاءة الطاقة، تستهدف بحلول 2030 تحقيق وفورات مالية تتجاوز 1.5 تريليون ريال، وهو الجانب الذي تطرق إليه التقرير كثيرا، وراهن على آثاره العكسية المتوقعة على دول المجلس.
ندرك هنا في المملكة حجم التحديات، التي تركزت أسطر التقرير عليها، وندرك أيضا حجم الفرص الاستثمارية الهائلة والواعدة التي تنتظرنا، التي لم يشر إليها التقرير برقم أو حرف واحد، وندرك أيضا أن مسيرة الإصلاح الراهنة كما أنها تحمل منجزات، فقد تحمل بعض أوجه القصور أو الخطأ، ولهذا فهي خاضعة لأعلى إجراءات الحوكمة والمراجعة الدورية بإشراف مباشر من لدن القيادة العليا - أيدها الله - للقيام بالمعالجة الفورية حال وجود أي من تلك الانحرافات، واهتمام كبير وسعي حثيث لا يستسلم أمام المعوقات والتحديات، وصولا بإذن الله تعالى إلى الأهداف النهائية المحددة لـ"رؤية المملكة 2030".
نقلا عن الاقتصادية